للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأقام الحسين على ما هو عليه من الهموم، مرَّة يُريد أن يسيرَ إليهم، ومرةً يُجمع الإقامة، فجاء إليه أبو سعيد الخُدْري، فقال: يا أبا عبد الله، إني لكم ناصح، وعليكم مشفق، وقد بلغني أنه كاتبك (١) قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج، فلا تخرج، فإني سمعتُ أباك يقول بالكوفة: واللهِ لقد مَلِلْتُهم وأبغضتُهم، وملُّوني وأبغضوني، وما بلوتُ لهم وفاءً، مَنْ فازَ بهم فاز بالسهم الأخيب (٢)، واللهِ ما لهم ثباتٌ ولا عزمُ أمر، ولا صبرٌ على السيف.

وقدِمَ المسيَّب بن نَجَبَة الفَزاريّ وعدَّةٌ معه إلى الحسين بعد وفاة الحسن ، فدَعَوْه (٣) إلى خلع معاوية، وقالوا: لقد علمنا رأيك ورأيَ أخيك (٤)، فقال: إني لأرجو أن يُعطيَ اللهُ أخي على نيَّتِه في حُبِّه الكفَّ، وأن يُعطيَني [على نيَّتي] في حبِّي جهادَ الظالمين.

وكتب مروان إلى معاوية: إنِّي لستُ آمنُ أن يكون الحسين مَرْصَدًا للفتنة، وأظنُّ يومَكم من حسين طويلًا.

فكتب معاوية إلى الحسين: إنَّ مَنْ أعطى اللهَ صَفْقَةَ يمينِه لجديرٌ بالوفاء، وقد أُنبئْتُ أن قومًا من أهل الكوفة قد دَعَوْك إلى الشِّقاق، وأهلُ العراق مَنْ قد جَرَّبْتَ؛ قد أفسدوا على أبيك وأخيك، فاتَّقِ الله، واذكرِ الميثاق، فإنك متى تَكِدْني أكِدْك. والسلام.

فكتب إليه الحُسين : أتاني كتابُك، وأنا بغير الذي بلَغَكَ [عني] جدير، والحسناتُ لا يهدي لها إلا اللهُ، وما أردتُ لك محاربةً، ولا عليك خِلافًا، وما أظنُّ لي عذرًا عند الله في تركِ جهادِك، وما أعلمُ فتنةً أعظمَ من ولايتك أمرَ الأمة، والسلام.

فلما قرأ كتابه معاويةُ قال: إنْ أَثَرْنا بأبي عبد الله إلا أسدًا.


(١) في (خ): كاتبكم، والمثبت من "طبقات" ابن سعد ٦/ ٤٢٢، و"مختصر تاريخ دمشق" ٧/ ١٣٦.
(٢) تحرفت في (خ) إلى: الأخبث.
(٣) في (خ): فدفعوه، وهو خطأ.
(٤) في (خ): ورأي أخيك فيك. والمثبت من "طبقات" ابن سعد ٦/ ٤٢٢، و"مختصر تاريخ دمشق" ٧/ ١٣٧.