فإن قيل: فمن أين لإدريس هذا وكيف علم ما في كتابنا، وهو لم ينزل عليه؟!
فالجواب: إنَّ الله تعالى ألهم إدريس ما فعل، وعلَّمه وجوب الورود وامتناع الخروج من الجنَّة.
وفيه أيضًا دليل على قدم القرآن، وأنهم قد كانوا يعرفون بعضه من اللوح المحفوظ، وإليه وقعت الإشارة بقوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ [الأعلى: ١٨، ١٩] وإن لم يكن فيها بهذه العبارة.
والقول الثاني: أنَّ بعض الملائكة أحبّ إدريس، فنزل إليه وصادقه، فلمّا عرف إدريس أنه ملك قال له: هل بينك وبين ملك الموت معرفة؟ قا. ل: نعم، هو أخي من الملائكة، قال: هل تستطيع أن تنفعني عنده ليرفق بي عند الموت؟ قال: نعم، اركب على جناحي، ففعل فصعد به إلى السماء فمرَّ به على ملك الموت فرآه جالسًا على كرسي وبين يديه لوح فيه أسماء الخلائق، فكلمه في إدريس، فقال له: تكلمني في رجل قد محي اسمه من الصحيفة ولم يبق من أجَله إلا طرفة عين؟ فمات إدريس بين جناحي الملك، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثالث: إن إدريس سار يومًا في الشمس فأصابه وهجها، فقال: اللَّهم خفف ثقلها عن من يحملها، فأصبح الملك الموكَّل بها وقد خفَّ عنه ما لم يعهده، فسأل الله عن ذلك فأخبره بدعاء إدريس له، فقال: يا رث اجمع بيني وبينه واجعلْ بيننا خُلَّة، فأذن له فأتاه فقال له إدريس: اشفع لي إلى ملك الموت أن يؤخر أجلي، فقال: إنّ الله لا يؤخّر نفسًا إذا جاء أجلها، ولكن أكلِّمه فيك فما استطاع أن يفعل معك فعل. ثم حمله الملك على جناحه فوضعه عند مطلع عين الشمس، ثم أتى ملك الموت فقال: لي إليك حاجة، فقال. وما هي؟ قال: صديق لي من بني آدم أسالك أن تؤخّر أجله، فقال: ليس لي إلى ذلك سبيل، ولكن إن أحببت أخبرتك متى يموت، فنظر في اللوح وقال: إنك كلمتني في إنسان ما أراه يموت أبدًا. قال: وكيف؟ قال: لأني لا أراه يموت إلا