للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنِّي لَأَعْلَمُ أوْ ظَنًّا كعالِمِهِ … والظَّنُّ يَصْدُقُ أحيانًا فينتظِمُ

أَنْ سوف يَتْرُكُكُم ما تَدَّعُونَ به (١) … قتلى تَهادَاكُمُ الغِرْبان (٢) والرَّخَمُ (٣)

يا قومَنا لا تَشُبُّوا الحَرْبَ إذْ سَكَنَتْ … ومَسِّكُوا بحبالِ السِّلْم واعْتَصِمُوا

قد غَرَّتِ الحَرْبُ مَنْ قَدْ كان قبلكمُ … من القرون وقد بادَتْ بها الأُممُ

فأنْصِفُوا قومَكمْ لا يَهْلِكُوا بَذَخًا (٤) … فرُبَّ ذي بَذَخٍ (٥) زَلَّتْ به القَدَمُ

لا تركبوا البغيَ إنَّ البغيَ مَصْرعَةٌ … وإن شاربَ كأسِ البغيِ ينحسِمُ

فكتب إليه ابن عباس: أمَّا ابنُ الزُّبير فرجلٌ ينقطع عنا برأيه يُكاتِمنا أضغانًا يُسِرُّها في صدره، يَرِي علينا وَرْيَ الزِّناد (٦)، لا فَكَّ الله أسيرَها، فطِع (٧) في أمره ما أنت راءٍ.

وأما الحسين فإنه لما قدم مكة سألتُه ما الذي أقدمَهُ؟ وقلتُ: لِمَ تركتَ حَرَمَ جدِّك ومنازلَ آبائك؟ فأخبرني أن عامِلَك وابنَ الحَكَم أساءَا إليه، فأقبلَ مستجيرًا بحرم الله، عائذًا ببيته. ولن أدعَ النصيحةَ فيما يجمعُ اللهُ به الكلمةَ ويُطفئُ به النائرة، ويُخمِد الفتنة، ويحقنُ دماء الأمة، فاتَّقِ اللهَ في السِّرِّ والعلانية، ولا تَبِيتَنَّ ليلةً وأنتَ تُريد لمسلمٍ غائلةً، ولا ترصُدْه بمظلمة، ولا تحفر له مهواةً، فكم من حافر جُرْفًا (٨) لغيره أوقعَه اللهُ فيه، وكم من مُؤَمِّلٍ أملًا لم يُؤْتَ ما أَمَّلَه، ولا تشغلنَّك عن الأخرى ملاهي الدنيا وأباطيلُها، فإنَّ كلَّ ما اشتغلتَ به عن الله يضُرُّ ويفنى، وما اشتغلتَ [به] من الأخرى ينفع ويبقى.


(١) في المصادر المذكورة آنفًا: بها.
(٢) جمع غراب، وفي المصادر: العِقبان، وهو جمع عُقاب.
(٣) جمع رَخَمة، وهو طائر أبقع يشبه النَّسر في الخِلقة.
(٤) في (خ): الفرحا (؟) والمثبت من المصادر المذكورة قبل.
(٥) في (خ): فرح. والمثبت من المصادر.
(٦) تحرّفت في (خ) (والكلام منها) إلى: الزياد.
(٧) كذا في (خ).
(٨) كذا في (خ)، والجُرْف ما يأكله السيل من الأرض. ولعله استعمل هنا (إن صحت اللفظة) على التوسع، بمعنى الحفرة. أو أَنها محرَّفة عن لفظة: جَفْر، وهي البئر التي لم تُطْوَ. وهي بمعنى الحفرة أيضًا.