للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما تنظرون بسلمى أن تُحيُّوها

اسْقُوني شربة ماء ولو كانت فيها نفسي. فقال عُبيد الله: ما يقول؟ قالوا: يَهْجُر (١). وتَحَشْحَشَ (٢) القوم في البيت، وأنكر عُبيد الله ما رأى منهم، [فوثب] (٣) فخرج، ودعا مولًى لهانئ بن عُروة -وكان في الشرطة- فسأله، فأخبره الخبر، فمضى حتى دخلَ القصر، وأرسل إلى هانئ بن عروة وهو يومئذٍ ابنُ بضعٍ وتسعين سنة، فقال: ما حملك على أن تُجير عدوِّي؟ قال: يا ابن أخي، إنه جاء حقٌّ هو أحقُّ منك ومن أهل بيتك. فوثب ابنُ زياد وفي يده عَنَزَة (٤)، فضربَ بها رأس هانئ حتى نثرَ دماغه، وقتله.

وبلغ الخبرُ مسلمَ بنَ عَقِيل، فخرج في نحو أربع مئة من الشيعة، فما بلغ القصر إلا وهو في نحوٍ من ستين رجلًا (٥)، وجاء الليل فهرب مسلمٌ، فدخل على امرأة من كِنْدة، يقال لها: طَوْعَة، فاستجار بها.

وعلم به محمد بنُ الأشعث بن قيس، فأخبرَ به ابنَ زياد، فبعث إليه، فأتِيَ به، فأنّبه وبكَّتَه، وأمرَ بقتله. فقال: دعني حتى أوصي. قال: نعم. فنظر إلى عُمر بن سعد بن أبي وقَّاص، فقال له، إن لي إليك حاجةً، وبيني وبينك رَحِمٌ. فقال له عُبيد الله: انظر في حاجة ابنِ عمِّك. فقام إليه فقال: يا هذا، إنه ليس ها هنا رجلٌ من قريش غيرُك، وهذا الحُسين بن علي قد أظلَّك، فأرْسِلْ إليه رسولًا، فلينصرف، فإن القوم قد غرُّوه وخَدَعُوه وكذَّبوه، وإنه إن قُتل لم يكن لبني هاشم بعده نظام، وعليَّ دَينٌ أخذتُه منذ دخلتُ الكوفة، فاقْضِه عني، واظلُب جُثَّتي من ابنِ زِياد، فوارِها.

فسأله ابنُ زياد: ما قال لك؟ فأخبره عمر، فقال: أما مالُك فهو لك لا نمنعُك منه، وأمَّا حسين؛ فإنْ تَرَكَنا لم نُرِدْه، وأمَّا جُثَّتُه، فإذا قتلناه لم نبالِ ما صُنع به. ثم أمر به فقتل.


(١) أي: يهذي.
(٢) أي: تحركوا للنهوض.
(٣) ما بين حاصرتين من "طبقات" ابن سعد ٦/ ٤٣٢، والكلام منه.
(٤) العَنَزَة: أطول من العصا، وأقصر من الرُّمح، في أسفلها زُجٌّ (أي حديدة) كزُجّ الرمح.
(٥) بعدها في "طبقات" ابن سعد ٦/ ٤٣٣ (والكلام منه): فغربت الشمس، واقتتلوا قريبًا من الرحبة، ثم دخلوا المسجد، وكثرهم أصحاب عُبيد الله بن زياد. . .