للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاء الحسين ، فأخذ بطريق العُذَيْب (١). حتى نزلَ الجَوْف مسقط النَّجف، ثم نزل قصر أبي مقاتل، فخفقَ خَفْقَةً، ثم انتبه يسترجع وقال: إني رأيتُ في المنام آنفًا فارسًا يُسايِرُنا ويقول: القوم يسيرون والمنايا تسري (٢) إليهم، فعلمتُ أنه نَعَى إلينا أنفسنا. ثم سار حتى نزل كَرْبَلاء، فقال: أيُّ منزلٍ هذا؟ فقالوا: كَرْبَلاء، فقال: كَرْبٌ وبلاء.

وقال أبو مخنف: لما خرج الحسين اجتمع (٣) أشرافُ الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صُرَد، فقال لهم سليمان: إن معاوية قد هلك وأقام ابنَه، وقد امتنعَ الحسين من بيعته، فإنْ كنتم تنصرونه فاكتبوا إليه، وإن خفتُم الفشل فلا تغرُّوه. فقالوا: لا، بل نقاتلُ عدوَّه ونَقْتُلُ أنفسَنا دونَه. فقال: اكتبوا إليه. فكتبوا:

بسم الله الرّحمن الرحيم، إلى الحسين بن علي من سليمان بن صُرَد، والمسيّب بن نَجَبَة، ورِفاعة بن شدَّاد، وحبيب بن مُظاهر، وشِيعتِه من المؤمنين من أهل الكوفة، سلامٌ عليك، أمَّا بعد، فإنَّا نحمدُ إليك اللهَ الذي لا إله إلا هو، والحمدُ لله الذي قَصَمَ عدوَّك الجبَّار الذي انْتَزَى (٤) على هذه الأمة، وابتزَّها أمرَها وغَصَبَها فَيئَها، وتأمَّرَ عليها بغير رضًى منها، ثم قتل خيارَها، واستبقى شرارها، وجعلَ مال الله دُولًا بين جبابرتها وأغنيائها، فبُعدًا له كما بَعِدَتْ ثمود، هانه ليس علينا إمام، فأقْبِلْ إلينا، لعلَّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ، وإن النعمان بن بشير في القصر، لسنا نُصلِّي معه، ولا نخرج معه في عيد، لو بَلَغَنا أنك قد أقبلتَ إلينا؛ أخرجناه حتى ألحقناه بالشام، والسلام.

وبعثوا بالكتاب مع عبد الله بن سبع الهلالي، وعبد الله [بن وال] (٥).

قال: فخَرَجَا مسرعَيْن حتى قدما (٦) مكة لعشرٍ مَضَين من شهر رمضان، فلما كان بعد أيام بعثوا إلى الحسين قيس بن مسهر الصيداوي، وعبد الرحمن بن عبد الله


(١) هو ماء بين القادسية والمغيثة، بينه وبين القادسية أربعة أميال. معجم البلدان ٤/ ٩٢.
(٢) في "طبقات" ابن سعد ٦/ ٤٣٥: يشرون. . . تشري. . .
(٣) في (خ): اجتمع إليه، وهو خطأ. ويورد المصنف هنا خبر مسلم بن عقيل برواية أُخرى أطول من سابقتها.
(٤) في (خ): انتزل، والمثبت من "أنساب الأشراف" ٢/ ٤٦٢، و"تاريخ الطبري" ٥/ ٣٥٢.
(٥) ما بين حاصرتين من "تاريخ" الطبري ٥/ ٣٥٢، ووقع بياض مكانه في (خ). وينظر "أنساب الأشراف" ٢/ ٤٢٦.
(٦) في (خ): خرجنا. . . قدمنا. . . وهو خطأ، وينظر المصدران السالفان.