غَشَشْتَه، وسمع وأطاعَ إذْ عَصَيتَه، أنا مسلم بن عَمْرو الباهليّ. فقال له ابنُ عَقِيل: لأمِّك الثُّكْلُ! ما أجفاكَ وأفظَّكَ وأقسى قلبَك! أنتَ يا ابنَ باهلةَ أولى بالحميم، والخلودِ في نار الجحيم.
وكان عُمارة بنُ عقبة بن أبي مُعَيْط حاضرًا، فأرسلَ غلامَه، فجاء بقُلَّةٍ فيها ماءٌ وقَدَح، فصبَّ في القَدَح وسقاه، فلم يقدر أن يشربَ من كثرة الدَّمِ، وسقَطَتْ ثنيَّتاه في القَدَح، فقال: الحمدُ لله، لو كان هذا الماءُ من الرزق المقسوم لشربتُه.
وأُدخل على ابنِ زياد، فلم يسلِّم عليه بالإمرة، فقال له الحَرَسيّ: ألا تسلِّمُ على الأمير؟! فقال: إنْ كان يُريدُ قتلي فما سلامي عليه؟! وإنْ كان لا يريدُه، فليَكْثُرَنَّ سلامي عليه. فقال ابن زياد: لَعَمْري لَتُقْتَلَنَّ. فقال: دَعْني أوصِ إلى بعض قومي. قال: افعل. فقال لعُمر بن سعد بن أبي وقاص: بيني وبينك قرابة، ولي إليك حاجة، وهي سر. فقال له ابنُ زياد: لا تمتنع من حاجة ابنِ عمك. فقال له: عليَّ بالكوفة سبعُ مئة درهم دَينٌ، فاقْضِها عني، واستَوْهِبْ جُثَّتي من ابن زياد، فوارِها، وابعثْ إلى حسين من يردُّه، فإني كتبتُ إليه أخبرُه أنَّ الناس معه.
ثم قال ابن زياد لمسلم: إيهِ يا ابنَ عَقِيل! أتيتَ الناسَ وكلمتُهم واحدةٌ، وأمرُهم جميع، لتفرِّقَ كلمتَهم؟ فقال: ما أتيتُ لهذا، وإنما أهلُ المصر كتبوا إلينا أن أباك قتلَ خيارهم، وسفكَ دماءَهم، وعملَ فيهم بأعمال كسرى وقيصر، فأتيناهم لنأمرَ بالعدل، وندعوَ إلى كتاب الله، فقال ابن زياد: وما أنت وذلك يا فاسق؟ أولستَ بالمدينة تشرب الخمرَ؟ قال مسلم: كذبتَ، واللهِ ما شربتُه قطّ، وأنتَ وأمثالُك يَلَغُون في دماء المسلمين. قال له ابنُ زياد: تمنَّيتَ أمرًا حال اللهُ دونَه، ولم يَرَكُم أهلَه. قال: فَمَنْ أهلُه يا ابنَ زياد؟ قال: أميرُ المؤمنين يزيد.
ثم شتم ابنُ زياد عليًّا وعَقِيلًا والحسنَ والحُسين ﵃، ثم قال: أين الذي ضربَ رأسَه مسلمُ بنُ عَقيل بالسيف؟ فقال: خُذْه، واصْعَدْ به إلى أعلى القصر فاضْرِبْ عُنُقَه،