للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قدم معاوية المدينةَ، فدخلَ دارَ عثمان رضوان الله عليه، فقالت عائشة بنتُ عثمان، وا أبتاه! فقال: يا ابنةَ أخي، إن الناس أعطَوْنا طاعةً تحتَها أحقاد، وأظْهَرْنا لهم حِلْمًا تحته غضب، ومع كل إنسان سيف، فإن نَكَثْنَا بهم نكثوابنا، ولا ندري أتكون لنا أو علينا، ولأَنْ تكوني ابنة عمّ أمير المؤمنين خيرٌ من أن تكوني امرأة رجل من أعراض المسلمين (١).

وقف أبو الدرداء يومًا بباب معاوية، فحجبَه، فقال: مَنْ يَغْشَ أبواب الملوك يقم ويقعد، ومن وجدَ بابًا مغلقًا وجد إلى جانبه بابًا مفتوحًا، إنْ دعا أجيب، وإنْ سألَ أُعطِي.

وبلغ معاويةَ، فأَذِنَ له واعتذر إليه (٢).

قالت فاختة امرأة معاوية لمعاوية: لِمَ تُصانع الناس؟ فلو أخذتهم من عَلُ، كانوا الأذلِّين، وكنتَ قاهرًا لهم. فقال لها: إن في العرب بعدُ بقيّة، ولولا ذلك لجعلتُ عاليَها سافلَها. فقالت له: واللهِ ما بقيَ أحدٌ إلا وأنت قادرٌ عليه. فقال لها: هل لكِ أن أُريَكِ بعضَ ذلك منهم؟ قالت: نعم. فأدخلَها بيتًا، وأسبل (٣) عليها سِتْرًا، ثم أمرَ حاجبه أنْ يُدْخِل عليه رجلًا من قيس. فأدخلَ رجلًا يقال له: الحارث، فقال له معاوية: إيهِ يا حُوَيرث، أنت الذي تطعنُ في الخلافة، وتنتقصُ أهلَها، واللهِ لقد هممتُ أنْ أجعلَك نَكالًا. فقال: يا معاوية، ألهذا دعوتَني؟ واللهِ إنَّ ساعدي لشديد، وإنَّ رُمْحي لمديد، وإنَّ سيفي لحديد، وإن جوابي لَعتِيد، وإن لم تأخذ ما أُعطِيتَ بشكر؛ لَتُنْزَعَنَّ عمَّا نكره بصُغْر. فقال: اخْرجْ. فقالت فاختة: ما أقوى قلبَ هذا وأجرأَه! [فقال معاوية:] وما ذاك إلا بإدلاله بطاعة قومه له.

ثم قال للحاجب: أدخِلْ آخر. فدخل رجلٌ يقال له: جارية. فقال له: إيه يا جُويرية (٤)، أنت الذي بلغني عنك تخبيبُ الجند (٥)، وقلَّةُ الشكر. فقال: يا معاوية،


(١) أنساب الأشراف ٤/ ١٤٣، وفيه: (من عُرْض المسلمين). أي: من عامتهم.
(٢) العقد الفريد ١/ ٧١. دون قوله: وبلغ معاوية … إلخ.
(٣) في (خ): وأرسل.
(٤) في (خ): حارثة .... حويرثة. وغير واضحة في (ب). والمثبت من "أنساب الأشراف" ٤/ ١٢٣. وما سلف بين حاصرتين منه.
(٥) في (ب) و (في): أنك تخبب الجند. والمثبت من "أنساب الأشراف" ٤/ ١٢٣ لسياق الكلام بعده. والتخبيب: الإفساد.