للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عباد الله بالإثم والعدوان؛ فلم يغيّر عليه بقول أو فعل، كان حقًّا على الله أن يُدخلَه مُدْخَلَه". ألا إن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفسادَ في الأرض، وعطَّلُوا الحدود، واستأثَرُوا بالفَيء، وأحلُّوا ما حرَّم الله، وحرَّمُوا ما أحلَّه الله، وأنا أحقُّ مَنْ غيَّر ذلك، وقد أَتَتْني كُتُبكم أنَّكم لا تُسْلِمُوني، ولا تخذُلُوني، فإنْ تمَّمتُم عليَّ بيعتكم أصبتُم رُشْدَكم، فأنا الحسين بنُ عليّ، وابنُ فاطمة بنتِ رسول الله ، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكُم فيَّ أُسوة، وإنْ لم تفعلوا ونقضْتُم عهدكم وغَدَرْتُم؛ فلَعَمْرِي ما هي لكم بنُكْر، لقد فعلتُموها بأخي وأبي وابنِ عمِّي مُسلم بنِ عَقِيل، والمغرورُ من اغتَرَّ بكم، فحظَّكم أخطأتُم، ونَصِيبَكم ضَيَّعتُم (١) ومَنْ نكثَ فإنَّما ينكثُ على نفسه، وسيُغْني الله عنكم. والسلام.

الخطبة الثانية

خطبها بذي حُسَم وقال: إنه قد نزلَ بنا من الأمر ما ترَون، وإنَّ الدنيا قد تغيَّرت وتنكَّرت، وأدبر معروفُها، ولم يبقَ منها إلا صُبابةٌ كصُبابة الإناء، وخسيسُ عيشٍ كالمرعى الوبيل، ألا تَروْن أنَّ الحقَّ لا يُعمَلُ به، وأنَّ الباطلَ لا يُتَناهَى عنه، وإني لا أرى الموتَ إلا سعادة (٢)، ولا الحياة مع الظالمين إلَّا بَرَمًا (٣).

فقام زهير بن القَيْن البَجَليّ فقال لأصحابه: أتتكلَّمون أم أتكلّم؟ قالوا: بل تكلَّمْ. قال: قد سمعنا -هداك الله يا ابنَ رسولِ الله- مقالتَك. واللهِ لو كانت الدنيا لنا باقيةً، وكنَّا مخلَّدين فيها، وأن نفارقَها (٤) في نصرك ومواساتك، لآثَرْنا الخروج معك على الإقامة فيها. فدعا له الحسين ، وجزاه خيرًا (٥).


(١) في (خ): أخطأكم … ضيّعكم. والمثبت من (ب) وهو الموافق لما في "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٠٣.
(٢) في "تاريخِ الطبري" ٥/ ٤٠٤: شهادة.
(٣) أي: سأَمًا وضَجَرًا.
(٤) في "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٠٤: إلا أنَّ فراقها.
(٥) المصدر السابق. وينظر "أنساب الأشراف" ٢/ ٤٧٣.