للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن الحجَّاج الزّبيدي، فقال: من أنتم؟ فقال العبَّاس: جئنا لنشربَ من هذا الماء الذي حَلَأْتُمونا عنه (١). فقال له عمرو: اشرب هنيئًا مريئًا. فقال: لا واللهِ لا أشربُ منه قطرة وحسين عطشان. فقال: لا سبيل إلى هذا. إنما وُضِعنا ها هنا لنمنعهم من الماء. وجاء أصحابُ العباس فقال: املؤوا قِرَبَكم. فشدَّ الرَّجَّالة فملؤوها. وثار إليهم عَمرو بن الحجاج، فاقتتلوا. وخَلَصُوا بالقِرَبِ إلى الحسين ، فشرِبَ هو وأصحابه (٢).

ويقال للعبَّاس بن علي: السَّقَّاء؛ لأنه حمل ذلك اليوم قِرْبةً على كتفه.

وبعث الحسين عَمرو (٣) بنَ قَرَظةَ بن كعب الأنصاريّ إلى عُمر بن سعد يقول: الْقَني الليلةَ بين العسكرين. وخرج الحسين في عشرين فارسًا، وعمر في مثلها، فلما التقيا؛ أمر كلُّ واحد منهما أصحابَه أن يبعدوا عنه، ففعلوا. وتحدَّثا، فقال له الحسين : اختاروا مني خصالًا ثلاثة: إمّا أنْ أرجعَ إلى المكان الذي أقبلتُ منه، وإمَّا أن أضعَ يدي في يد يزيد بن معاوية، فيرى فيما بيني وبينه رأيَه، وإمَّا أن تسيِّروني إلى ثغرٍ من ثغور المسلمين، فأكونَ كرجلٍ من أهله (٤).

قال عُقبة بن سَمْعان: صحبتُ الحسين من المدينة إلى مكة، ومن مكةَ إلى العراق؛ لم أفارقْه حتى قُتل، ولم يَفُتْني منه كلمة قالها إلى يومِ قَتْلِه، لا واللهِ إنْ أعطاهم ما يذكر الناس وما يزعمون من أن يضعَ يده في يدِ يزيد بن معاوية، وإنما قال: دَعُوني أرجعْ إلى المكان الذي أقبلتُ منه، أو أن أذهبَ في هذه الأرض العريضة حتى انظر ما يصيرُ إليه أمرُ الناس (٥).

والتقى الحسين عُمر بنَ سعد مرارًا ثلاثًا أو أربعًا، وكتب عُمر بن سعد إلى ابن زياد: أمَّا بعد؛ فإنَّ الله قد أطفأ النائرة، وجمعَ الكلمة، وأصلَح أمرَ الأمة.


(١) أي: منعتمونا منه.
(٢) أنساب الأشراف ٢/ ٤٨١، وتاريخ الطبري ٥/ ٤١٢.
(٣) في (ب) و (خ): عمر. والمثبت من "تاريخ الطبري" ٥/ ٤١٣، و "الكامل" ٤/ ٥٤.
(٤) تاريخ الطبري ٥/ ٤١٣، وينظر "أنساب الأشراف" ٢/ ٤٨٢.
(٥) تاريخ الطبري ٥/ ٤١٣ - ٤١٤.