للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويا ثِمال الباقين (١). فقال لها الحسين ﵁: يا أُخَيَّة، لا يُذهِبْ حِلْمَك الشيطانُ. فقالت له: بأبي أنتَ وأمِّي يا أبا عبد الله، استَقْتِلْ، نفسي فداؤك (٢). فردَّد غُصَّته، وترقرقت عيناه، ثم قال: ولو تُرك القَطا لَهَدَا وناما (٣). فقالت: يا ويلتا! أتغتصبُ نفسك اغتصابًا، فذلك الذي أقْرَحَ قلبي. ثم لطمت وجهها، وشقَّت جيبَها، وخرَّتْ مغشيًّا عليها، فقام الحسين ﵁، فرشَّ قال وجهها الماء، وقال لها: يا أُخيَّة، اتقي الله، وتَعَزَّيْ بعزاء الله، وكلُّ شيءٍ هالكٌ إلا وجهَه.

ثم قام، فخرج إلى أصحابه، وأمرهم أن يُدخلوا البيوتَ بعضَها في بعض، ويستقبلوا العدوَّ من وجهٍ واحد.

فلما كان صباح يوم الجمعة -وقيل: يوم السبت- خرج عُمر بن سعد، وقد عَبَّأَ الحسين ﵁ أصحابَه وقتَ صلاة الغداة، وكان معه اثنان وثلاثون فارسًا، وأربعون راجلًا، وجَعلَ زُهير بن القَين في الميمنة، وحبيب بن مظهر في الميسرة، وأعطى رايته العبَّاس بن عليّ، وجعلوا البيوت من وراء ظهورهم؛ وأمر الحسين ﵁ بِحَطَبٍ وقَصَب أن يكونَ من ورائهم، ثم يُلقي فيه النار مخافةَ أن يأتوه من ورائه.

وكان مع الحسين ﵁ خمسون رجلًا (٤)، وأتاهم من الحُرّ (٥) عشرون، وكان معه من أهل بيته تسعة عشر رجلًا.


(١) في "أنساب الأشراف" ٢/ ٤٨٥، و "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٢٠: يا خليفة الماضي، وثمالة الباقي. والثِّمال: الملجأ والغِياث.
(٢) كذا في (ب) و (خ). وفي "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٢٠: استقتلت نفسي فداك. وبنحوه في "الكامل" ٤/ ٥٩.
(٣) أي: لَهَدَأ ونام. وهو مَثَل، ولفظُه أعلاه موزون (من الوافر) ولم أقف على هذا اللفظ؛ إنما لفظه في "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٢٠ وغيره من المصادر وكتب الأمثال: لو تُرك القطا ليلًا لنام، والقَطَا -وهو جمع قَطاة؛ من الطيور- لا يسري ليلًا، والمثَل يُضرب لمن يَهِيج إذا هُيِّج. وينظر "مجمع الأمثال" ٢/ ١٧٥.
(٤) كذا في (خ)، ولم يرد في (ب) قوله: خمسون رجلًا. وقد سلف قبل أنه كان مع الحسين اثنان وثلاثون فارسًا، وأربعون راجلًا. والكلام ليس في (م). والله أعلم.
(٥) هو الحرّ بن يزيد الذي حبس الحسين عن الرجوع وجعجع به؛ تركَ عُمر بن سعد، والتحق بالحسين ﵁.