للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونِعْم الحرُّ ناداه حسينٌ … فجادَ بنفسه عند الصباحِ

ولما صار الحرُّ إلى الحسين ﵁ قال له: يا ابنَ رسولِ الله، جعلني اللهُ فِداك، أنا الذي جَعْجَعتُ بك السير، وحبستُك عن الرجوع، وسايرتُك في الطريق، واللهِ ما ظَنَنْتُ أنَّ القوم يردُّون عليك ما عرضتَ عليهم أبدًا، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، وإني قد جئتُك تائبًا مما كان منّي ومُواسيًا لك بنفسي حتى أموت بين يديك، أفتَرَى ذلك توبة؟ فقال له الحسين ﵁: نعم، يتوبُ الله عليك، ويغفرُ لك. ما اسمُك؟ قال: الحُرّ بن يزيد. قال: أنتَ الحرُّ كما سَمَّتْك به أمُّك، أنت الحُرُّ في الدنيا والآخرة. فنادَى: يا أهل الكوفة، لأمِّكم الثُّكْل (١)، دَعَوْتُموه، حتى إذا أتاكم أَسْلَمْتُموه، فأصبح كالأسير في أيديكم، لا يملكُ لنفسه نفعًا ولا ضَرًّا، وحَلَأْتُموه (٢) ونساءَه وصبْيَتَه وأصحابَه عن ماء الفرات الجاري الذي تشربُه اليهود والنصارى والمجوس، وتتمرَّغُ فيه خنازيرُ السَّواد وكلابُه، بئسَ ما خلفتُم محمدًا في ذُرِّيَّته، لا سقاكم الله يومَ الظمأ إنْ لم تتوبوا وتَنْزِعُوا عمَّا أنتم عليه في ساعتكم هذه. فحملوا عليه ورمَوْه بالنَّبْل.

وكان الحرُّ يرتجزُ ويقول:

أضربُ في أعراضكم بالسيفِ … عن خير مَنْ حلَّ مِنَى والخَيفِ

فتكاثروا عليه، فقتلوه.

وجعلَ ابنُ سعد على ميمنته عَمرو بنَ الحجَّاج الزبيدي، وعلى ميسرته شَمِرَ بن ذي الجَوْشن، وعلى الخيل عَزْرة بن قيس الأحْمَسيّ. وعلى الرجَّالة شَبَث بن رِبْعيّ اليربوعي، وأعطى الراية دريدًا (٣) مولاه.

ودخل الحسين ﵁ الفسطاط، فاطَّلَى بالنُّورة (٤)، وماثَ مِسْكًا (٥) في جَفْنَة، وتطيَّبَ، ثم خرج، وركب دابته، ووقف في الصفّ.


(١) في "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٢٨: الهَبَل والعُبْر. (والهَبَل هنا، بمعنى الثُّكْل، والعُبْر: سخونةُ العين).
(٢) أي: منعتموه.
(٣) وكذا في "أنساب الأشراف" ٢/ ٤٨٧، ووقع في "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٢٢: ذويد.
(٤) مادّة لإزالة الشعر.
(٥) أي: أذابه بالماء.