للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا تفكَّرُ في مصابهمُ … أتعبَ زندَ الهمومِ قادحُهُ

بعضُهمُ قُرِّبتْ مصارعُهُ … وبعضُم بَعُدَتْ مطارحُهُ

أظلم في كربلاء يومُهمُ … ثم تجلّى وهم ذبائحُه

لا بَرِحَ الغيثُ كلَّ ناحيةٍ … تهمي عواديه أو روائحُه

على ثرًى حَلَّهُ ابنُ بنتِ رسو … لِ الله مجروحةٌ جوارحهُ

ذَلَّ حُماهُ وقلَّ ناصرهُ … ونال أقصى مُناهُ كاشحُهُ

عفَّرتمُ بالثرى جبين فتًى … جبريلُ بعد النبيِّ ماسحُهُ

يظلّ ما بينكم دمُ ابن رسو … ل الله وابنُ السفَّاح سافحُهُ

سِيَّانِ عند الأنام كلِّهمُ … خاذلُه منكمُ وناصحُهُ (١)

وقال (٢): لقد جمعوا في ظلم الحسين ما لم يجمعه أحد، ومنعوه أن يرد الماء فيمن ورد، وأن يرحل عنهم إلى بلد، وسَبَوْا أهله وقتلوا الولد، وما هذا حدَّ دفعِ عن الولاية، هذا سوء معتقَد. نبع الماء من بين أصابع جدِّه، فما سقَوْه منه قطوة، وكم لاح لهم نور هداية، فما ولَّوا وجوههم شطرَه.

[وقال: كان الرسول من محبَّته للحسين يُقَبِّلُ شفتيه، ويحملُه كثيرًا على كتفيه، ولمَّا مشى طفلًا بين يدي المنبر نزل إليه، فلو رآه ملقًى على أحد جانبيه؛ شديد العطش والماءُ حاضر لديه، وأطفاله يضجُّون بالبكاء حواليه، والسيوف تأخذه والأعداء تميل عليه، والخيلُ قد وطئت صدره ومشت على يديه، ودموعه تجري على خدّيه؛ إذًا لصاح الرسول وعزَّ عليه].

وكان الحسين شاعرًا مُفلِقًا، فمن شعره:

كلَّما زِيدَ صاحبُ المال مالًا … زِيدَ في همِّه وفي الاشتغالِ

قد عرفناكِ يا منغِّصةَ العَيـ … ـشِ ويا دارَ كلِّ فانٍ وبالِ

ليس يصفو لزاهدٍ طلبُ الزُّهْـ … ـد إذا كان مثقلًا بالعيالِ (٣)


(١) يتيمة الدهر ٢/ ٢١٩ - ٢٢٠. وفيه: وذابُحه، بدل: وناصحُه.
(٢) يعني ابن الجوزي في "التبصرة" ٢/ ١٧ - ١٨. والكلام الآتي بين حاصرتين من (م).
(٣) تاريخ دمشق ٥/ ٥٣ (مصورة دار البشير)، والبداية والنهاية ١١/ ٥٩٣.