للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقالت له أمُّه: يا بنيّ، ألا تنام الليل؟! فقال: يا أمَّاه، مَنْ جَنَّ عليه الليل وهو يخاف البيات حُقَّ له أن لا ينام، فلما رأَتْ ما به من القلق والسَّهَر قالت: يا بنيّ، لعلك قتلتَ قتيلًا؟! فأقول: نعم. فتقول: من هو حتى يتحمَّل أهلُك عنك دِيَتَه؟ فيقول: هي نفسي (١). إن جهنم لا تدعني أنام (٢).

وقال أبو عبد الله السُّلَمي: ضرب الربيعَ الفالجُ، فطال وجعُه، فاشْتَهى دجاجةً، فشَوَوْها له، فلما وضعوها بين يديه جاء سائل فقال: تصدَّقوا عليَّ. فقال: ادفعوها إليه. فقالت سُرِّيَّتُه: أنا أُعطيه ثمنها وكُلْ أنتَ شهوتَك. فقال: هات الثمن. فأحضرته، فقال: ادْفعي الجميع إلى السائل (٣).

وكان قميصُه يساوي ثلاثة دراهم.

وقال له أصحابه: لو جالستنا؟ فقال: لو فارق قلبي ذكر الموت ساعة لفسد.

وكان يقول: أنا بعصافير المسجد آنسُ بهم من أهلي.

وقال أبو وائل: خرجنا مع عبد الله بن مسعود ومعنا الربيع، فمررنا بالحدادين، فوقف الربيع ينظر إلى الحديد كيف يخرج من الكير، فمال الربيع حتى كاد يسقط.

ومررنا على أتُون تلتهب نارًا، فقرأ ابن مسعود: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾ [الفرقان: ١٢]، فصَعِقَ الربيع من الظهر إلى المغرب (٤).

وتوفي الربيع بالكوفة في هذه السنة، ورَوَى عن ابن مسعود وغيره، وكان مشغولًا بالعبادة عن الرواية (٥).


(١) حلية الأولياء ٢/ ١١٤، وصفة الصفوة ٣/ ٦٣.
(٢) هذا القول في رواية أخرى في المصدرين السابقين يخاطب به ابنته لما قالت له: أرى الناس ينامون ولا تنام؟
(٣) بنحوه في "صفة الصفوة" ٣/ ٦٤ - ٦٥.
(٤) ينظر ما سلف في "صفة الصفوة" ٣/ ٦٦ - ٦٧.
(٥) طبقات ابن سعد ٨/ ٣١٢، وصفة الصفوة ٣/ ٦٨.