للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما بعد، فإنَّا محصورون في الدار، فيا غوثاه. ثلاثًا.

قال حبيب: فقدمتُ دمشق، فدخلتُ على يزيد بن معاوية وهو جالس على كرسيّ واضع قدميه في طَسْت فيه ماء، وكان به وجع النّقْرِس، فقرأ الكتاب، وتمثَّل:

لقد بدَّلُوا الحِلْمَ الذي من سَجِيَّتي … فبدَّلتُ قومي غِلظةً بلَيانِ

ثم قال: أما يكون بنو أمية ألف رجل مع مواليهم؟ قلتُ: بلى وأكثر. قال: فما استطاعوا أن يقاتلوا ساعة من نهار؟! قلتُ: اجتمع الناسُ كلُّهم عليهم، فلم يكن لهم بهم طاقة.

فبعث إلى عَمرو بن سعيد، فأقرأه الكتاب، وأمرَه أن يسير [إليهم] في الناس، فقال له: قد كنتُ ضبطتُ (١) لك البلاد، وأحكمتُ الأمور، فأمَّا الآن؛ فحيثُ صارت دماء قريش تُهراق بالصعيد، فلا أحبُّ أن أتولَّى (٢) ذلك، يتولَّاه من هو أبعدُ مني منهم.

فبعثني بالكتاب إلى مسلم بن عقبة المُرِّي -وهو شيخ كبير ضعيف مريض- فدخلتُ عليه بالكتاب، فقرأه وقال مثل ما قال يزيد، ثم قام معي فدخل على يزيد، فقال له: لا تمنعنَّ هؤلاء فإنهم أذلَّة، ما استطاعوا أن يقاتلوا ساعةً من نهار، أو يومًا واحدًا؟! فقال له يزيد: لا خير في العيش بعدهم. اخْرُجْ فاندُب الناس، وفرّق فيهم أعطيتهم.

فقال حبيب: فأقبلتُ فأجدُ عبد الملك بن مروان جالسًا في ذلك المكان بعينه في الساعة التي عيَّنَها، فأخبرتُه الخبر فسُرَّ، ودخل على مروان وبني أمية فأخبرهم.

وسار مسلم بن عقبة بذلك الجيش، وكان معاوية قد قال ليزيد: إنَّ لك من أهل المدينة يومًا عظيمًا، فارْمِهم بمسلم بن عقبة، وأوصاه بذلك (٣). فقال له: إنْ حدثَ بك (٤) حادث فاستخلفْ على الجيش حُصين بن نُمير السكوني، وقال له: ادْعُ القومَ


(١) في (ب) و (خ): أضبطت. والمثبت من "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٨٣ وما بين حاصرتين منه. وينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ٣٥٨.
(٢) في (ب) و (خ): أقول. والمثبت من "تاريخ الطبري".
(٣) تاريخ الطبري ٥/ ٤٩٥، وتاريخ دمشق ٦٧/ ٢٢٨ - ٢٢٩ (طبعة مجمع دمشق- ترجمة مسلم بن عقبة).
(٤) في (ب) و (خ): به. وهو خطأ. وهذا قول يزيد لمسلم، وينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ٣٥٩، و"تاريخ الطبري" ٥/ ٤٨٤.