للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دعه فإنَّه من المنظرين (١).

وقال مجاهد: آخر من دخلها الحمار، فتعلَّق بذنَبِه إبليس فمنعه نوح من الرُّكوب فيها، وقال: علِّمني خصالًا أحترس بها منك، قال: إياك والكِبر فإني ما وقعتُ فيما وقعت إلا به، وإيَّاك والحسد فإني حسدتُ آدم فهلكت، وإيَّاك والطمع فإنَّه هو الذي أوقع آدم فيما أوقعه، وإيَّاك والعجلة فإنها هي التي أحوجتك إلى الدعاء على قومك حتى هلكوا (٢).

وقال ابن عباس: أراد بقوله: ﴿احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَينِ اثْنَينِ﴾ ذكرًا وأنثى حفظًا للنَّسل ﴿وَأَهْلَكَ﴾ أي ولدك وعيالك ﴿وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إلا قَلِيلٌ﴾ [هود: ٤٠] وهم الذين ركبوا معه السفينة. ومعنى اثنين على التأكيد، ولأنه لا يستغني أحدهما عن الآخر.

قال ابن عباس: أول ما حمل نوح معه الذَّرَّة (٣)، وآخر ما حمل معه الحمار، فلمَّا دخل تعلَّق إبليس بذنبه فلم تستقل رجلاه وصدره في السَّفينة، فصاح نوح: ويحك ادخل وهو لا يقدر، فقال: أدخل، ولو كان معك الشيطان -كلمة زلَّت عن لسانه- فلمَّا قالها خلَّى الشيطان سبيل الحمار فدخل، ودخل معه إبليس، فقال له نوح: اخرج يا عدوَّ الله، فقال: ألم تقل ادخل وإن كان معك الشيطان؟ لا بدَّ لك من حملي معك. وكانوا يزعمون أنه في ظهر الفلك (٤).

وقال الثعلبي: وذكر مالك بن سليمان الهروي في "تفسيره" أن الحيَّة والعقرب أتيا نوحًا وقالتا، احملنا، فقال: أنتما سبب الضرر والبلاء والأوجاع، فلا أحملكما، قالتا: احملنا ونحن نضمن لك أن لا نضر أحدًا ذَكرك، فمن قرأ حين خاف مضرَّتهما ﴿سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالمِينَ (٧٩)[الصافات: ٧٩] لم يضرَّاه (٥).


(١) أخرجه ابن عساكر في "تاريخه" ٦٢/ ٢٥٩. وأخرجه ابن الجوزي في "المنتظم" ١/ ٢٤١ عن أنس. الكوثل: مؤخر السفينة.
(٢) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ١٧/ ٦٦٥ (مخطوط) عن وهب بن منبه مطولًا.
(٣) الذَّر: النمل الأحمر الصغير، واحدته ذرة. "حياة الحيوان" للدميري ١/ ٣٥٦.
(٤) أخرجه الطبري في "تاريخه" ١/ ١٨٤.
(٥) انظر "عرائس المجالس" ٥٨.