للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما بلغ ابنَ الزبير هلاكُ يزيد -وأهلُ الشام لا يعلمون وقد حصروه حصارًا شديدًا وضيَّقوا عليه- نادى: يا أهل الشام، علام تقاتلونا وقد هلك طاغيتكم؟ فلم يصدِّقوه حتى قدم ثابت بن قيس بن المقفع (١) النَّخَعي الكوفي، فمرَّ بالحُصين، وكان بينهما صداقة وصهر، فأخبره.

ولما تيقَّن الحُصين ذلك بعث لابن الزبير يقول: موعدُنا بيننا وبينك الليلة الأبطح. فالتقيا، فقال له الحُصين: إنْ يكُ هذا الرجل قد هلك؛ فأنت أحقُّ الناس بهذا الأمر من بين سائر الناس، فهلمَّ أبايعْك، واخْرُجْ معي إلى الشام، فإن هذا الجيش الذي معي هم وجوه أهل الشام وفرسانُهم، فواللهِ لا يختلفُ عليك اثنان، وتُؤمِّنُ الناسَ، وتُهدِرُ هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك، والتي بيننا وبين أهل الحرَّة. قال: أنا أُهدِرُ تلك الدماء! أما والله لا أفعلُ حتى أقتلَ بكل رجل منهم عشرة.

فأخذ الحُصين يكلِّمه سرًّا وابن الزُّبير يجهر جهرًا. فقال له الحُصين: قبَّح الله من يعدُّك بعدها داهية أو أريبًا، أنا أكلِّمُك سرًّا وأنت تكلِّمُني علانية، وأدعوك إلى الخلافة وتهدِّدُني بالقتل (٢)!

ولما التقيا بالأبطح راثت فرسُ أحدِهما، فجاء حمام الحرم يلتقطُ من رَوْث الفرس، فكفَّ الحُصين فرسَه لئلا يطأ الحمام، فقال له ابن الزبير: أتتحرَّج من قتل الحمام، وتقتلُ المسلمين في الحرم، وتنتهكُ حرمةَ الكعبة؟!

ولما لم يتفقا على أمر؛ قال له الحُصين: ائذن لي ولأصحابي أن نطوف بالبيت وننصرف. فأذنَ لهم (٣).

وقال ابن سعد (٤): قال ابن الزبير: قد مات يزيد، وأنا أحق بهذا الأمر، لأن عثمان عهدَ إليّ في ذلك عهدًا صلَّى به خلفي طلحةُ والزُّبير، وعرفَتْه أمُّ المؤمنين عائشة،


(١) في "تاريخ الطبري" ٥/ ٥٠١: المُنْقع، وفي "اللباب" ٣/ ١٠٨: المقنع.
(٢) تاريخ الطبري ٥/ ٥٠٢. وينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ٣٨٦.
(٣) تاريخ الطبري ٥/ ٥٠١. وينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ٣٩٠.
(٤) في "الطبقات" ٦/ ٤٨٧.