للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا وإنَّ جدِّي معاويةَ نازعَ هذا الأمر من كان أولَى منه، فمضى لسبيله، وأقام جدِّي بعده على ما قد علمتُم، فركبَ منكم ما تعلمون، وركبتُم منه ما لا تنكرون، ثم أتَتْه منيِّتُه، فصار مرتهنًا بعمله، ثم قَلَّدَ أبي هذا الأمر، فركبه هواه، فأخلفه الأمل، وقصَّر عنه الأجل، فانقطعت مدَّتُه، وصار أسيرَ جُرْمِه، رهين (١) ذنبه. ثم بكى وقال: لستُ بالمختار لتقلُّد أموركم، ولا بالمتحمّل لتبعاتكم، فشأنُكم أمركم، فواللهِ لئن كانت الدنيا مغنمًا فلقد نلنا منها حظًّا، وإنْ تكن شرًّا؛ فحسبُ آل أبي سفيان ما أصابوا منه.

وكان مروان حاضرًا، فقال: سنَّها واللهِ عُمَريَّة. وسمعه معاوية فقال: يا مروان، ومتى صار معاوية بنُ يزيد مثل عمر بن الخطاب؟! ومن أين لي برجال مثل رجال عمر؟! ثم نزل (٢).

وقال الهيثم: خطب وقال: أيُّها الناس، إني ضعيف، فاختارُوا لأنفسكم من ترضَوْنه. ثم نزل، فدخل داره، فقالت له أمُّه: يا ليتني كنت نَسْيًا منسيًّا ولم تضعف هذا الضعف. فقال: أنا -واللهِ- وَدِدْتُ أني كنتُ كذلك ولم أُعرِّض نفسي لجهنَّم (٣).

وقال أبو عَوانة: إن معاوية بنَ يزيد خطب وقال: أمَّا بعد، فإني نظرتُ في أمري وأمرِكم، فضعفتُ عنه، فابْتَغَيْتُ (٤) لكم رجلًا مثل عمرَ بنِ الخطاب حين فزعَ إليه أبو بكر، فلم أجده، فابْتَغَيتُ لكم سِتَّةً في الشورى مثل سِتَّة عمر، فلم أجِدْهم، فأنتُم أولى بأمركم، فاختارُوا له من أحببتُم.

ثم دخل منزله ولم يخرج إلى الناس، وتغيَّب حتى مات. فقال بعض الناس: دُسَّ إليه من سقاه سُمًّا، وقال بعضهم: طُعن (٥).

وقرَّر عمال أبيه، ولم يولِّ أحدًا، ولم يعزل أحدًا، بل أقام مريضًا إلى أن مات، .


(١) في (ب) و (خ): عفير (؟) ولعل المثبت هو مراد المصنف، وفي "تاريخ اليعقوبي" ٢/ ٢٥٤: رهنًا بذنبه.
(٢) المصدر السابق.
(٣) بنحوه في "أنساب الأشراف" ٤/ ٣٩٨ - ٣٩٩.
(٤) في (ب) و (خ): فأبغيت (في الموضعين) والمثبت من "تاريخ" الطبري ٥/ ٥٣٠ - ٥٣١.
(٥) المصدر السابق.