للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتركب غيره، فإذا رجعتَ فسِرْ إلى دمشق، وأغلق أبوابها، وخلِّ بيني وبين العبد -يعني الضحَّاك- حتى يحكم الله بيننا.

ففعل عَمرو ما أمره مروان، ودخلَ دمشق، وبلغ الضحاك، فركب في القيسيَّة، وقصد قتل مروان، والتقَوْا، فقُتل الضحَّاك.

وفيها بايع أهلُ خُراسان سَلْمَ بنَ زياد بن أبيه بعد موت يزيد وابنه معاوية حتى يجتمع الناس على إمام.

ولم يجتمع أهلُ خُراسان على أمير كاجتماعهم على سَلْم، ومن محبَّتهم له أنهم سَمَّوْا أولادَهم باسمه، فما وُلد منهم مولود إلا وسمَّوْه سَلْما، فأُحصيَ ذلك، فبلغَ عشرين ألف مولود مدَّةَ ولايته عليهم.

وكان جاء نعي يزيد وابنه معاوية، وجاءه مقتل يزيد بن زياد من سجستان، وأَسْرُ أبي عُبيدة بن زياد، فازداد حزنًا. وكان قد بعث بالهدايا والتّحف إلى يزيد بن معاوية مع عبد الله بن خازم.

ولما كتم ما بلغَه من ذلك، وعلم ابنُ عَرَادةَ الشاعرُ قال:

يا أيُّها الملكُ المغلِّقُ بابَهُ … حَدَثَتْ أمورٌ شأنُهنَّ عظيمُ

قَتْلَى بجَنْزَةَ (١) والذين بكابُلٍ … ويزيدُ أُعْلِنَ شأنُهُ المكتومُ

أَبني أُمَيَّةَ إن آخرَ مُلْكِكُمْ … جسدٌ بحُوَّارين ثَم مُقِيمُ

طرقَتْ منيَّتُه وعند وسادِهِ … كوبٌ وزِقٌّ راعفٌ مَرْثُومُ (٢)

ومُرِنَّةٌ تبكي على نَشْوانِهِ … بالصَّنْج تقعدُ تارةً وتقومُ

فلمَّا ظهر هذا الشعر أظهر سَلْم موتَ يزيد وموتَ معاوية ابنهِ، وبايعه الناس على الرِّضى حتى يستقيم الناس على خليفة، وأقاموا شهرين ثم نكثوا.

ولما نكثوا خرج سَلْم عن خُراسان، واستخلف عليها المهلَّب بنَ أبي صُفْرة، فلما كان بِسَرَخْس؛ لقيَه سليمان بن مَرْثَد أحدُ بني قيس بن ثعلبة، فقال له: من استخلَقتَ على خراسان؟ قال: المُهَلَّب. قال: ضاقَتْ عليك نزار حتى ولَّيتَ رجلًا من اليمن!


(١) جنزة: مدينة بين شروان وأذربيجان. ينظر "معجم البلدان" ٢/ ١٧١.
(٢) أي: ملطَّخ.