للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منِّي. وعامَّة العلماء على أنه ابنه لصلبه صيانة لنوح، وحملوا قوله: ﴿إِنَّهُ لَيسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ إمَّا على معنى أنَّه ليس من أهل دينه، وإمَّا على معنى ليس من أهلك الذين وعدتك بنجاتهم (١).

قالوا: وما بغت امرأة نبيٍّ قط، وإنما كان خيانة امرأة نوح ولوط في الدِّين لا في الفراش، لأنَّ امرأة نوح كانت تقول للنَّاس إنَّه مجنون، وامرأة لوط تدلُّهم على الأضياف، وهذا قول ابن عباس وعكرمة وابن المسيِّب وابن جبير ومجاهد والضَّحَّاك (٢)؟ فحينئذ قال نوح: ﴿قَال رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [هود: ٤٧] الآية.

وقال ابن عباس: لما انقضت ستّة أشهر قيل: ﴿يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي﴾ [هود: ٤٤] ومعنى ﴿ابْلَعِي﴾ أي: اشربي وانشفي، ﴿وأقلعي﴾: أمسكي ﴿وَغِيضَ الْمَاءُ﴾ نقص وذهب ونضب.

وقال مقاتل: ابتلعت الأرض ما نبع منها وصار ما نزل من السَّماء هذه البحور الذين ترون في الأرض.

والأصحُّ أنَّ البحور خلقت مع خلق الأرض. وأهل الهند يقولون: ما نعرف الطُّوفان ولا وصل إلينا.

وقال كعب: وفي التوراة لما نضب الماء كشف نوح غطاء السفينة فرأى وجه الأرض قد يبس، فعلم أنَّ العذاب قد رفع، فبعث الغراب فوقع على جيفةٍ فأبطأ عليه فلعنه، فبعث الحمامة فعادت مسرعة والطِّين في رجليها، فدعا لها فطوَّقها الله الطَّوق (٣).

وقال وهب: إنَّ بعض الأرض لم تسرع إلى بلع مائها لما قيل ابلعي ماءك، وبعضها أسرع، فالتي أسرعت صار ماؤها عذبًا إذا حُفر، والتي أبطأت صار ماؤها مرًّا.


(١) انظر "زاد المسير" ٤/ ١١٣.
(٢) أخرج هذه الأخبار الطبري في "تفسيره" ١٢/ ٥١.
(٣) أخرجه الطبري في "تاريخه" ١/ ١٨١ - ١٨٢.