للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خَرَجْنَ يلمعْنَ بنا أرسالا … عَوابسًا يَحْمِلْننا أبطالا

نريدُ أن نَلْقَى بها الأقتالا (١) … القاسطين الغُدُر الضُلَّالا

وقد رَفَضْنا الأهل والأموالا … والخَفِراتِ البِيضَ والحِجَالا (٢)

نُرْضِي به ذا (٣) النِّعم المِفْضالا

وكان عبد الله الخَطْمي قد كتبَ إلى سليمان والتوابين كتابًا، فلَحِقَهم بالقَيَّارة (٤)، فقرأه سليمان عليهم، وإذا فيه:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من عبد الله بن يزيد إلى سليمان بنِ صُرَد ومن معه من المسلمين، سلامٌ عليك، أما بعد، فإنَّ كتابي إليكم كتابُ ناصحٍ شفيق، وكم من ناصحٍ مُستغشّ، وكم من غاشٍّ ناصح، بلغني أنكم تريدون المسير بالعدد اليسير إلى الجمع الكبير، وإنَّ من أراد أن ينقلَ الجبال عن أماكنها تَكِلُّ مَعاولُه، ويفرَغُ وهو مذمومُ الفعل والعقل، يا قومنا لا تُطمِعُوا عدوَّكم في أهل بلادكم، فإنكم أخيارٌ كلُّكم، وأعلامُ أهل مصركم، ومتى ما يُصيبُكم عدوُّكم أطمعه ذلك فيمن وراءَكم، يا قومنا "إنَّهم إن يَظْهَرُوا عليكم يرجُموكم أو يُعيدوكم في ملتهم ولن تُفلحوا إذًا أبدًا" وإنَّ أيديَنا وأيديَكم واحدة، وعدوَّنا وعدوَّكم واحد، ومتى تجتمعْ كلمتُنا نظهرْ على عدوِّنا، ومتى تختلفْ تَهُنْ شوكتُنا على [مَنْ] خالفَنا، يا قومنا لا تستغشُّوا نُصحي، ولا تُخالفوا أمري، وأقْبِلُوا حين يُقرأ عليكم كتابي، أقبلَ الله بكم إلى طاعته، وأدْبَرَ بكم عن معصيته، والسلام.

وقال سليمان لأصحابه: ماذا تَرَوْن؟ قالو!: قد أبَينا هذا عليهم ونحن في مصرنا بين أهلنا، فالآن حين خرجنا ووطَّنَّا أنفُسنا على الجهاد، ودنَونا من أرض عدوّنا! ما هذا برأي، فما تقول أنت؟ فقال سليمان: إنكم لم تكونوا أقربَ من إحدى الحُسْنيَينِ منكم من يومكم هذا للشهادة أو الفتح، ولا أرى أن تنصرفوا عمَّا جعلكم (٥) الله عليه من


(١) جمع قِتْل، وهو المِثْل والنظير في قتال وغيره.
(٢) الخَفِرات: جمع خَفِرة، وهي شديدة الحياء، والحِجال جمع حَجَلة، وهي ساتر كالقُبَّة يزيَّن بالثياب والستور للعروس.
(٣) في (خ) (والكلام منها): يرضَى به ذو. والتصويب من "تاريخ الطبري" ٥/ ٥٩١.
(٤) الذي لحقهم بالقَيَّارة بالكتاب هو المُحِلّ بن خليفة الطائي، كما في المصدر السابق.
(٥) في "تاريخ الطبري" ٥/ ٥٩٢: جمعكم.