للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأنا عزمتُ عليك إلَّا ذكرتَ بعضها. فقال: أمَّا إذْ عزمتَ عليَّ؛ فَنَعَمْ. فقال عبد الملك: هذه أوَّلُها. فقال أسماء: ما سألني أحدٌ حاجة إلَّا ورأيتُ الفضلَ له عليَّ، ولا دعوتُ أحدًا إلى طعام إلَّا ورأيتُ له المِنَّةَ عليَّ، ولا جلسَ إليّ رجل إلَّا ورأيتُ له الفضلَ عليَّ، ولا تقدَّمتُ جليسًا بركبةٍ قط، ولا قصدَني قاصدٌ في حاجة إلَّا وبالغتُ في قضائها، ولا شتمتُ أحدًا قطُّ؛ لأنه إنَّما يشتمُني أحدُ رجلين؛ إمَّا كريمٌ فكانت منه هفوة، فأنا أحقُّ بغفرها، وإمَّا لئيم، فأصونُ عرضي عنه، فقال له عبد الملك: حُقَّ لك أن تكون (١) سيِّدًا شريفًا (٢).

وقال ابن الكلبي: خرج أسماءُ بن خارجة في أيام الرَّبيع إلى ظاهر الكوفة، فنزل في رياض مُعْشِبَة، وهناك رجلٌ من بني عبس نازلٌ، فلما رأى قِبابَ أسماءَ وأبنيتَه؛ قَوَّضَ أبنيتَه ليرحل، فقال له أسماء: ما شأنُك؟ فقال: لي كلبٌ هو أحبُّ إليَّ من ولدي، وأخاف أنْ يُؤذِيَكُم فيقتلَه بعضُ غلمانكم (٣). فقال له: أقِمْ، وأنا ضامنٌ لكلبك. ثم قال لغلمانه: إذا رأيتُم كلبَهُ قد ولَغ في قدوري وقِصاعي فلا تُهِيجُوه. وأقامَ على ذلك مدَّة، ثم ارتحل أسماء، ونزل الروضةَ رجلٌ من بني أسد، وجاء الكلب على عادته، فضربَه الأسديُّ فقتلَه، فجاء العبسي إلى أسماء، وقال له: أنتَ قتلتَ كلبي. قال: وكيف؟! قال: عوَّدْتَه عادةً ذهب يرومُها من غيرك فقُتل. فأمرَ له بمئة ناقة دِيَة الكلب (٤).

وكانت وفاة أسماء في هذه السنة وهو ابنُ ثمانين سنة (٥).

أسند عن عليٍّ، وابنِ مسعود، وروى عنه ابنُه مالك بن أسماء، وعليّ بنُ ربيعة الأسدي.


(١) في (خ) و (م): حق له أن يكون …
(٢) ينظر "تاريخ دمشق" ٣/ ٢ (مصورة دار البشير).
(٣) في (م): غلمانك.
(٤) تاريخ دمشق ٣/ ٣ - ٥.
(٥) كذا في "مختصر تاريخ دمشق" ٤/ ٣٨٥. ولم أجد هذا في مصورة دار البشير لـ"تاريخ دمشق"، وجاء فيه عن الزيادي ٣/ ٧ أنَّه مات وهو ابنُ تسعين سنة.