للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأُخبر المختار بانطلاقه، فقال: كلَّا، إنَّ في عنقه سلسلةً تردُّه أن ينطلق (١). وأصبح المختار، فجلس على كرسيِّه، وبعث أبا عَمْرة إلى عُمر وقال: ائتني به، فقد نكث وأرادَ الخروج عليَّ.

وفي رواية: فلما أصبح عُمر بعث بابنه حفص بن عمر إلى المختار، فقال له: إن أبي يقول لك: هل أنتَ مقيم على أمَانك؟ فقال: اقعدْ. ثمَّ قال لأبي عَمْرة: اذهب فائتني برأسه. فجاء إليه وقال: أجِبْ الأمير. فقام ليلبس جُبَّتَه، فعثرَ فيها، فضربه أبو عَمْرة بسيفه، فأبانَ رأسَه، وجاء برأسه في طرف قَبائه، فوضعه بين يدي المختار، فقال لابنه حفص: أتعرفُ هذا الرأس؟ قال: نعم، ولا خير في الحياة بعده. أو: لا خير في العيش بعده. فقال له المختار: فإنَّك لا تعيش بعده. فأمر به، فقُتل، ووُضع رأسُه إلى جانب رأس أبيه، وقال المختار: عُمر بحسين، وحفص بعليّ بن الحسين، ولا سَوَاء، واللهِ لو قتلتُ به ثلاثةَ أرباع قريش ما وَفَوْا بأُنْمُلَةٍ من أنامله (٢).

وقال أبو مِخْنَف: إنما هيَّج المختار على قتل عُمر بن سعد أنَّ يزيد بن شَراحيل الأنصاريّ ذَكَرَ عند محمَّد بن الحنفيَّة خروجَ المختار وطلبَه بدماء أهل البيت، فقال محمَّد بن الحنفية: يزعم أنَّه لنا شيعةٌ، وقَتَلَةُ الحُسين جلساؤُه على الكراسي يحدِّثُونه ويُحدِّثُهم.

فلما رجع يزيد إلى الكوفة قال له المختار: ما قال لك المهديّ؟ فأخبره، فما لبث المختار أن قتلَ عُمر بن سعد وابنَه، وبعث برأسَيهما إلى ابن الحنفيَّة مع مسافر بن سعيد الناعطي، وظَبْيَان بن عُمارة التميمي، وكتب معهما:

إلى المهديّ محمَّد بن عليّ من المختار بن أبي عبيد، أمَّا بعد، فإنَّ الله بعثني نقمةً على أعدائكم، فهم بين قتيل وأسير، وطريدٍ وشريد، فالحمد لله الذي قتل قاتليكم، ونصرَ مؤازريكم، وقد قَتَلْنا كلَّ من شَرَكَ في دماء أهل البيت، ومَنْ قَدَرْنا عليه، ولن يُعجزنا مَنْ بقي حتى لا يبقى على أديم الأرض منهم أحد. والسلام (٣).


(١) في "تاريخ الطبري" ٦/ ٦١: لو جهد أن ينطلق ما استطاع.
(٢) ينظر "أنساب الأشراف" ٦/ ٦٤ - ٦٥، و"تاريخ" الطبري ٦/ ٦٠ - ٦١، و"تاريخ دمشق" ٥٤/ ٤٣ - ٤٥ (طبعة مجمع دمشق).
(٣) تاريخ الطبري ٦/ ٦٢، وتاريخ دمشق ٥٤/ ٤٥.