وظهر المختارُ [بن أبي عبيد، فقال: واللهِ لأقتلنَّ امرأتَه. وهي أمُّ سَلَمة الجُعْفِيَّة، فحبسَها، وبلغَ عبيدَ الله بن الحرّ، فأقبلَ فِي فتيانه إلى الكوفة ليلًا، فكسر بابَ السجن، وأخرج امرأتَه وكلَّ من كان فيه، فبعثَ إليه المختار من يقاتلُه، فقاتلهم، وأخذَ امرأتَه، وخرج من الكوفة وهو يقول:
ألم تعلمي يا أمَّ تَوْبَةَ أنَّني … أنا الفارسُ الحامي حقائقَ مَذْحِجِ
وأنِّي أتيتُ السجنَ فِي سَوْرَة الدُّجَى … بكلِّ فتًى حامي الذِّمارِ مُدَجَّجِ
من أبيات [طويلة].
وأصبح المختار، فهدمَ دارَه وأحرقَها ومعه هَفدان، وانتهبوا ضيعتَه، فأقبل [في] السواد، فلم يدع به مالًا لهَمْدَانيّ إلَّا أخذه.
وقال:
وما ترك الكذابُ من جُلِّ مالِنا … ولا الزُّرْقُ من هَمْدانَ غيرَ شريدِ
ومنها:
وهُمْ هَدَمُوا داري وساقُوا حَلِيلَتي … إلى سجنهم والمسلمون شُهودي
وهُمْ أعجلُوها أنْ تَشُدَّ خمارها … فيا عجبًا هل الزمانُ مُقَيِّدي
فما أنا بابن الحُرِّ إن لم أُرِعْهُمُ … بخيلِ تَعَادَى بالكُماة أسودِ
وما جَبُنَتْ خيلي ولكنْ حَمَلْتُها … على جَحْفَلٍ ذي عُدَّةٍ وعَدِيدِ
من أبيات.
وكان يتردَّدُ من المدائن إلى جُوخَى والجبل، فلم يزل على ذلك حتَّى قُتل المختار، فقال الناس لمصعب: [إن] ابن الحُرِّ شاقَّ ابنَ زياد والمختارَ، ولا نأمنُه. فأرسلَ إليه مصعب بأمان، فلما جاءه، حَبَسَه، فقال:
مَنْ مُبْلِغُ الفتيانِ أنَّ أخاهُمُ … أَتَى دونَه بابٌ شديدٌ وحاجبُهْ
بمنزلةٍ ما كان يَرْضَى بمثلِها … إذا قامَ عَنَّتْهُ كُبولٌ تُجاوبُهْ
وما كان ذا من عُظْمِ جُرْمٍ جَنَيتُهُ … ولكنْ سَعَى الساعي بما هو كاذبُهْ
وقد كان فِي الأرضِ العريضةِ مَسْلَكٌ … وأيُّ امرئٍ ضاقت عليه مذاهبُهْ