للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما الشيء الملفَّف [في البِجاد]؟ فقال [الأحنف]: السَّخينة. فقال معاوية: واحدةٌ بواحدة، والبادئ أظلم.

[قال الأصمعي:] أراد معاوية تبكيت الأحنف [وتعييره بالأَقِط]. والبِجاد: كساءٌ مخطَّط من أكسية الأعراب يجعلُون فيه الأَقِط. والسَّخِينةُ: دقيق كانت قريش تجعلُه فِي القِدْر، وتخلطُه بماء، وتأكلُه فِي زمان الجَهْد، فكانت تُعيَّرُ به.

وفيه يقول حسان بنُ ثابت:

زَعَمَتْ سَخِينَةُ أنْ تُغالِبَ رَبَّها … ولَيُغْلَبَنَّ مُغالِبُ الغَلَّابِ (١)

و [قال هشام:] دخل الأحنف على معاوية، فقال له: يا أبا بَحْر، ما تقولُ فِي الأولاد؟ فقال: ثمار قلوبنا، وعمادُ ظهورِنا، فنحن لهم أرض ذليلة، وسماء ظليلة، فإنْ طلبوا فأعْطِهِم، وإنْ غضبوا فأرْضِهم، ولا تكن عليهم ثقيلًا فيملُّوا حياتَك، ويتمنَّوْا وفاتَك. فقال معاوية: للهِ دَرُّك، دخلتَ عليَّ وأنا مملوءٌ غيطًا على يزيد، فسلبتَه (٢) من قلبي. فلمَّا خرج الأحنف من عند معاوية؛ بعث إلى يزيد بمئة (٣) ألف درهم ومئتي ثوب، فبعث يزيد بنصفها إلى الأحنف.

[قال خليفة:] وقال بعض أولاد الأحنف لجارية أبيه: يا زانية. فقالت: لو كُنْتُ زانيةً لأتيتُ بولد مثلِك. وبلغَ الأحنفَ، فقال: يا ليتَ ابني مات قبل هذا بعشرين سنة (٤).

وقال الأحنف: إنَّ من السؤدُد الصبرَ على الذُّلِّ، وكفى بالحلم ناصرًا (٥).


(١) العقد الفريد ٢/ ٤٦٢. والبيت منسوب أيضًا لكعب بن مالك. كما فِي "طبقات فحول الشعراء" ١/ ٢٢٢، وهو فِي ديوانه" ص ١٥٣، وفيه: جاءت سَخِينة كي تُغالبَ … ويعني هنا بسَخينة قريشًا. وينظر "سيرة" ابن هشام ٢/ ٢٦١.
(٢) فِي "العقد الفريد" ٢/ ٤٣٧ (والخبر فيه بنحوه): فسللتَه. وينظر "أنساب الأشراف" ١١/ ٤١٢.
(٣) المثبت من (ص) وهو الموافق لما فِي المصدر السابق. وفي غيرها: بمئتي.
(٤) بنحوه فِي "أنساب الأشراف" ١١/ ٣٩٤.
(٥) تاريخ دمشق ٨/ ٤٤٤ (مصورة دار البشير)، والمنتظم ٦/ ٩٤. ونُسب القول فِي (ص) و (م) لهشام.