للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقال الأصمعي: كان أبو الأسود يركب في كل يوم ويُكثرُ الركوب، فقيل له: لو قعدتَ في البيت لكان أروحَ لبدنك. فقال: صدقتُم، ولكن في ركوبي فوائد رياضة وفُرجة، وسماع أخبار لا أسمعُها في بيتي، ولو قعدتُ في بيتي؛ ضجر مني أهلي وضجرتُ منهم، واجترأ عليَّ مِنْ خَدَمي مَنْ يهابُني (١).

وكان يقول: إعادة الحديث أشدّ من نقل الصخر من الجبال على أعناق الرجال.

وقال الرِّياشي:] (٢) اشترى أبو الأسود دارًا بألف دينار، وكان لها جارُ سوء، فباعها بألف درهم، فقيل له: بعت دارَك؟! فقال: لا، ولكن بعتُ جاري (٣).

[وقال الأصمعي:] وقفت امرأة عليه وهو في فسطاط (٤) يأكل رُطَبًا، فقالت: السلام عليك. فقال: كلمة مقولة (٥). فقالت: أطعمني مما بين يديك. فقال: يداكِ أقصرُ من الوصول إليه. قالت: أهلكني الجوع. قال: في المقابر سَعَة. ولم يطعمها.

[قال:] ومرَّ به أعرابيّ وهو يأكلُ طعامًا في خيمة (٦)، فقال: أتأذنُ لي في الدخول؟ قال: وراءك أوسع. قال: قد أحرقت الرمضاءُ رِجْلَيَّ. قال: بُلَّ عليهما تبردان (٧). فقال: أطعمني ممَّا بين يديك. فقال: سيأتيك ما قُدِّر لك. قال: ما رأيتُ ألْأمَ منك! قال: قد رأيتَ، ولكنَّك نسيتَ.

ومن شعره:

يقول الأرذلون بنو قُشَيرٍ … طَوال الدَّهْرِ لا تَنْسَى عَلِيّا!

فقلتُ لهم وكيف تَرَوْن تركي … من الأعمال ما يقضي عَلَيَّا

أُحِبُّ محمَّدًا حُبًّا شديدًا … وعباسًا وحمزة والوَصِيَّا


(١) تاريخ دمشق ٨/ ٦١٦، وهو بنحوه في "أنساب الأشراف" ١٠/ ٤٠. وهذا الخبر من (م).
(٢) الكلام بين حاصرتين من (م).
(٣) ينظر "الأغاني" ١٢/ ٣١٨، و "وفيات الأعيان" ١٦/ ٥٣٤.
(٤) في (أ) و (ب) و (خ) و (د): فسطاطه. والمثبت من (م) وهو الموافق لما في "العقد الفريد" ٦/ ١٨٥.
(٥) في "العقد الفريد": مقبولة.
(٦) في (أ) و (ب) و (خ) و (د): جفنة. والمثبت من (م).
(٧) في النسخ الخطية: تبرد … والمثبت من "العقد الفريد" ٦/ ١٨٥.