للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا ذكرَتْكِ النفسُ مِتُّ صَبابةً … وكاد فؤادي عند ذاك يطيرُ

أأتركُ ليلى ليس بيني وبينَها … سوى ليلةٍ إني إذًا لَصَبُورُ

هَبُوني امرءًا منكم أَضَلَّ بعيرَهُ … له حُرْمةٌ إن الذِّمام كبيرُ (١)

وقال الأصمعي: قال له بعضُ أهله: أَقْصِرْ، فقد شاع أمرك في الدنيا، فقال:

سقى منزلًا منها بذي الرِّمْثِ قد عفا … وبطنِ نقاها مُدْجِناتٌ بوارقُ

وماذا عسى الواشون أنْ يتحدَّثوا … سوى أنْ يقولوا إنني لكِ عاشقُ

أَجَلْ صَدَقَ الواشون أنتِ حبيبةٌ … إليَّ وإنْ لم تَصْفُ منكِ الخلائقُ (٢)

وقال الأصمعي: قيل لأبيه: لو خرجتَ به إلى الموسم، وسألتَ اللهَ فيه لعلَّه أن يُخَفِّفَ عنه. فخرج به إلى الموسم، وجاء به إلى عرفات، ووقف مع الناس، وأخذ أبوه في الدعاء له، فقال المجنون:

دعا المُحْرِمُون اللهَ يستغفرونهُ … بمكةَ يومًا أن تُمحَّى ذنوبُها

وقلتُ له يا ربِّ أوَّلُ حاجةٍ … لنفسيَ ليلى ثم أنتَ حسيبُها

فلو نلتُ ليلى في حياتيَ لم يَتُبْ … إلى الله عبدٌ توبةً لا أتوبُها

يَقَرُّ بعيني قربُها ويزيدُني … بها كَلَفًا مَنْ كان عندي يعيبُها

فيا نفسُ صبرًا لستِ واللهِ فاعلمي … بأوَّلِ نفسٍ غابَ عنها طبيبُها

أراكَ إلى نجدٍ تَحِنُّ وإنَّما … هوى كلِّ نفسٍ حيثُ حلَّ حبيبُها

وما هَجَرَتْكِ النفسُ يا ليلَ أنها … قَلَتْكِ ولكنْ قلَّ منها نصيبُها (٣)

ثم نزل أبوه إلى مني وهو معه، فصاح صائح: يا ليلى. فَخَرَّ مَغْشِيًّا عليه، ثم أفاق فقال:

وداعٍ دعا إذْ نحن بالخَيفِ من مني … فهَيَّجَ أحزانَ الفؤادِ وما يدري

دعا باسم ليلى غيرَها فكأنَّما … أطارَ بليلَى طائرًا كان في صدري


(١) البيتان الثالث والرابع في "الديوان" ص ١٣٩.
(٢) البيتان الثاني والثالث في "الأغاني" ٢/ ٦١، و"الديوان" ص ٢٠٣. ولم أقف على البيت الأول (والأبيات والكلام قبلها وبعدها من (م) وحدها). قوله: مُدْجِناتٌ، أي: سُحُبٌ سُود. وتحرَّفت في (م) إلى: مذخبات.
(٣) ينظر "أمالي" القالي ٢/ ١٢٧ و ٢٦٢، و"المنتظم" ٦/ ١٠٥، و "الديوان" ص ٦٧ - ٦٨، ونُسب البيتان الرابع والخامس في "الأغاني" ٩/ ١٩٣ مع بيت ثالث لقيس بن ذَرِيح.