للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحَكَم وما نَسَل، وإنَّه طريدُ رسول الله ﷺ ولَعِينُه. ويدعو إلى نفسه. وكان فَصِيحًا، فمال معظمُ أهل الشام إليه، وصاروا بِطانةً له.

وبلغ عبدَ الملك، فمنعَ الناسَ من الحجِّ، فأقاموا مدَّةً، فضجُّوا، فبنى لهم القُبَّة على الصخرة والجامع الأقصى ليشغلَهم بذلك عن الحجِّ، فكانوا يقفون عند الصخرة، ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة، وينحرون يومَ العيد (١).

[ذكر طرف من ذلك:

ذكر هشام بن محمد بن السائب، عن أبيه، وذكر طرفًا منه الواقدي وغيره؛ دخل حديث بعضهم في بعض؛ قالوا:] ولمَّا عزم عبد الملك علي بنائها؛ كتبَ إلى أهل الأمصار ممَّن هو في طاعته من أهل الشام ومصر وأرمينية والجزيرة: أمَّا بعد، فإنَّ أمير المؤمنين قد عزمَ على بناء قُبَّة على صخرة بيت المقدس، تكونُ للمسلمين ظِلًّا وكهفًا (٢)، ولولده ولمن يأتي بعدَه عِزًا وشَرَفًا، وإنه كره أن يشرع في ذلك قبل أن يستشير أهلَ الرأي والحَزْم والشرف والفضل من رعيَّته؛ قال الله تعالى: ﴿وَشَاورْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] فليكتبوا إليه ما عندهم فيما عزم عليه.

فكتبوا إليه: ليُتَمّمْ أميرُ المؤمنين ما عزمَ عليه من بناء بيت الله المقدَّس، وتزيين المسجد الأقصى، أجرى الله الخيراتِ على يديه، وجعلَ ذلك مَكْرُمةً له، ولمن مضى مِن سَلَفِه، ولمَنْ يأتي بعدَه مِن خَلَفه موفَّقًا إن شاء الله تعالى.

وإنَّما (٣) استشارهم خوفًا من شناعة ابن الزُّبير عليه، فأرادَ حَسْمَ مادَّته، ومع هذا فما سلم منه، فإنه كان يُشَنِّعُ عليه ويقول: ضاهى بما فعلَ إيوانَ كسرى، والخضراء كما فعل معاوية، ونقلَ الطوافَ من بيت الله إلى قِبْلةِ بني إسرائيل، ونحو ذلك.

فسار عبدُ الملك من دمشق ومعه الأموال والعمَّال، ووكَّل بالعمل رجاءَ بنَ حَيوة، ويزيد بن سلام مولاه (٤)، وجمع الصُّنَّاع والمهندسين [من الآفاق]، وأمرهم أن


(١) بعدها في "البداية والنهاية" ١٢/ ٤١ (عن المصنِّف): ويحلقون رؤوسهم.
(٢) في (م): وكَنَفًا. وما سلف بين حاصرتين منها.
(٣) في (م): وقيل: إنما …
(٤) المثبت من (م)، وفي غيرها: ومولاه. وينظر "البداية والنهاية" ١٢/ ٤١.