للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلم يردَّ أحد السلام، فغضبَ الحجَّاج وقال: يا أهل الضلالة، ومعدن الغَي والجهَالة، أيُسَلِّم عليكم أميرُ المؤمنين ولا تردُّون سلامَه؟! واللهِ لأُؤَدِّبنكم غير هذا التأديب.

ثمَّ أعاد قراءة الكتاب ثانيًا، فلما بلغ إلى قوله: يسلِّمُ عليكم أمير المؤمنين، قالوا بأجمعهم: السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

[وفي رواية: أنه لما صعد المنبر سكت، فأطال، فتناول محمد بن عمير حصىً، وأراد أن يَحْصِبَهُ وقال: قاتله الله ما أعياه وأذمَّه! فلما تكلّم الحجاج وقع الحصى من يده] (١).

ثم دعا العُرفاء وقال: ألْحِقُوا الناسَ بالمهلَّب، ولا تُغلِقُنَّ بابَ الجسر ليلًا ولا نهارًا حتى تنقضيَ المدَّة. ثم نزل.

قال القاسم بن سلَّام لما بلغَه قولُ الحجَّاج: قاتلَ اللهُ أهلَ الكوفة، استٌ في الماء وأنفٌ في السماء (٢)! أين قبائلُهم وعشائرُهم وأهلُ الأَنَفَة منهم؟! وأين تجبُّرهم وتغطرفُهم؟! قتلُوا عليًّا ، وطعَنُوا الحسن ونهبُوه، وقتلُوا الحسين، وقاتلُوا المختار، وفعلُوا بالوُلاة ما فعلُوا، وعَجَزُوا عن قتل الملعون الأخفش، الدميم الصورة، القبيح الخِلْقة، وقد قدم عليهم في اثني عشر راكبًا وهم في سبعين ألف مقاتل؟! ولكن الله تعالى أذاقَهم لباسَ الجوع والخوف، وجعل الحَجَّاجَ عليهم نِقْمةً، وأظهر مصداق قول أمير المؤمنين على : اللَّهم سَلِّطْ عليهم الغلامَ الثقفي.

[قلت: وفي قول عليّ : الغلام الثقفي، نظر، وإنما هو من كلام عمر بن الخطاب، ذكره ابن سعد في آخر "الطبقات" فيمن كان بالشام بعد الصحابة في ترجمة أبي عَذَبَة.


(١) تاريخ الطبري ٦/ ٢٠٤. والكلام بين حاصرتين من (ص)، وجاء بعده فيها ما صورتُه: "فقال في كلامه الحجاج: وقد بلغني رفضكم المهلب وإقيالكم إلى مصركم عصاة مخالفين وإني أقسم بالله إن وجدت مِن بعثِ المهلب بعدَ ثالثة أحدًا ضربتُ عنقه". وقد سلف هذا القول فيما مضى، وهو من ضمن الكلام الذي لم يرد في (ص) كما سلفت الإشارة إليه.
(٢) هو مَثَل يُضرب للمتكبّر الصغير الشأن. مجمع الأمثال ١/ ٢١.