للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقالت: ألم تعلم أنَّ دارَه هُدمت ثلاث مرَّات لأجلك؟! ألم تكتب إلى وجوه أهل البصرة، فلم يُجِبك غيرُه؟! ألم تعلم أنه كان سيفًا قاطعًا لأعدائك، سِلْمًا لأوليائك؟! أفيذهب صالحُ أيامه بطالحها؟! قال: هو آمن. قالت: اللهَ اللهَ في الدماء، فإنَّه الحجَّاج.

فكتب لها على البريد إلى الحجَّاج بالإحسان إليه وإكرامه، ثم قال لها: ما أنتِ منه؟ قالت: ابنةُ عمِّه وزوجتُه، نشأتُ في حجر أبيه، فقال: واللهِ لأنتِ أعربُ منه وأفصحُ لسانًا، فهل معه غيركِ (١)؟ قالت: نعم، ابنةُ عُبيد بن كلاب النميري، وكذا وكذا جارية. قال: فأنا أُوليك طلاقَ زوجتِه وعتقَ جواريه، فقالت: بل تهنئه نساءَه كما هنأتَه دمَه. فقال عبد الملك لأمِّ أيوب: لا نساءَ إلا بناتُ العمّ.

وقدم البريدُ على الحَجَّاج بالكتاب وقد أقام عبدَ الله بنَ فَضَالة في سراويل ليعذِّبه، ثم ليقتلَه، فأطلقَه وكساه وحملَه، وانصرف إلى أهله، فسأل عن حبَّة، فقالوا: لا ندري إلى أين توجَّهت. وبلغه ما صنعت، فأرسل إليها: أخبريني بقدومك حتى ألقاك، فقدمت ولم ترسل إليه.

وكان قدومُها ليلًا وهو عند ضَرَّتِها، فقالت: لا تُؤذنوه، فلما أصبحَ أتاها فشكرها (٢).

وفيها كتبَ الحجَّاجُ إلى المهلَّب بمناهضة الخوارج، فسارَ إليهم ومعه عبد الرحمن بنُ مِخْنَف على جند الكوفة، فأجلَوْهم عن رامَهُرْمُز، وقُتل عبدُ الرحمن بن مِخْنَف.

قال هشام بن محمد: ناهضَ المهلَّبُ الخوارجَ يوم الاثنين لعشر بقين من شعبان سنة خمس وسبعين، فأجْلَوْهُم عن رامَهُرْمُز، فخوجوا على حامية، فنزلوا أرض سابور بمكان يقال له: كازرون، وسار المهلَّب وعبدُ الرحمن خلفَهم، فنازلوهم غرَّة رمضان، فخندقَ المهلَّبُ عليه، وما كان ينزلُ بمكانٍ إلا خندقَ عليه احترازًا من البيات، وأراد


(١) في النسخ الخطية: فهل معكِ غيرك. وهو خطأ. والتصويب من "مختصر تاريخ دمشق" ٧/ ٣٠٦.
(٢) الخبر بتمامه في "مختصر تاريخ دمشق" ٧/ ٣٠٣ - ٣٠٦. ويقارن صدر الخبر بما في "أنساب الأشراف" ٥/ ٤٠٤ - ٤٠٥.