للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمَّا دخلت السنة المذكورة بعث نمرود إلى كلِّ حامل فحبسهنَّ عنده ولم يعلم بحبل أم إبراهيم، فجعل لا يولد غلام في ذلك الشهر إلَّا ذبحه (١).

قلت: وهذا من سفه نمرود؛ لأنه إن كان قد جرى القدر بإزالة ملكه ودينه فلا بدَّ من ذلك، ولا ينفع الاحتراز، وإن لم يكن جرى القدر بذلك فأين الغلام المطلوب حتى يذبح الغلمان كلهم؟! وعلى هذا قصة فرعون لما أمر بذبح الأطفال احترازًا من موسى .

وقال وهب: إنما وجد مولد إبراهيم وسيرته في علوم إدريس، ومن هناك أخذ المنجمون.

وقال الضحَّاك: رأى نمرود في منامه كأنَّ كوكبًا طلع فذهب بضوء الشمس والقمر، فارتاع ودعا بالسَّحرة والكهَّان والقافة فأخبرهم بما رأى، فقالوا: يولد مولود من صفته كذا وكذا.

وقال ابن إسحاق: لم تعلم أم إبراهيم بحبلها لأنَّها كانت جارية حديثة السنِّ (٢).

وقال السُّدي: كان آزر من خواص نمرود، لما قال له الكهَّان ما قالوا خرج من المدينة فنزل ظاهرها، فعرض له أمر مهم إلى قصره، فقال لآزر: أنت أميني وصاحبي، اذهب إلى الحاجة الفلانية ولا تلمَّ بأهلك، فقال آزر: أنا أشَحُّ على أمانتي من ذلك. فلمَّا دخل المدينة وقضى الحاجة قال: ما يضرني لو نظرتُ إلى أهلي من غير مباشرة؟ فجاء إلى منزله فواقع امرأته، فحملت بإبراهيم وأخبرت الكهنةُ نمرودَ بأنَّ أمَّ الغلام قد حملت به في هذه الليلة، فلم يذهب فكره إلى آزر ثقة به، وأقامت أمُّ إبراهيم تخفي حملها إلى زمان ولادتها، وضربها الطلق فخرجت إلى مغارة فوضعته هناك، ثمَّ سدَّت بابها، وكانت تتعاهده فتراه يمص إبهامه واللَّبن يدرُّ منه (٣).

وقال مقاتل وابن إسحاق: كان يمصّ من إصبع لبنًا، ومن إصبع عسلًا ومن أخرى


(١) نظر "تاريخ الطبري" ١/ ٢٣٤، و"المنتظم" ١/ ٢٥٩.
(٢) انظر "تاريخ الطبري" ١/ ٢٣٤.
(٣) انظر "عرائس المجالس" ص ٧٥.