للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبينك قاضي المسلمين. فقدَّمَه إلى شُرَيح، فلما رآه قام من مجلس القضاء، وأجلس عليًّا في مجلسه، وجلس شُرَيح قُدامه إلى جنب النصرانيّ. فقال علي: لو كان خصمي مسلمًا لقعدتُ إلى جنبه. واحتكما عنده. فقال شُريح: يا أمير المؤمنين، ألكَ بيّنة؟ فسكت عليّ. فقال النصرانيّ: أشهدُ أن هذه أحكام النبيين، أمير المؤمنين يجيء إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه! هي -واللهِ- دِرْعُك يا أمير المؤمنين من جملك الأورق ليلة كذا وكذا، فأخذتُها.

ثم أسلم النصرانيّ، فوهبَ له علي الدِّرْع، وحملَه على فرس لإسلامه، فأُصيب معه في صفّين.

وقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني القصة، وقال (١): فشهد لأمير المؤمنين ابنهُ الحسن، وغلامه قنبر، فقال شُريح: زِدْني شاهدًا آخر. فقال له علي: أتردُّ شهادة الحسن؟ قال: لا، ولكن أنتَ حدَّثتَني أنه لا يجوز شهادة الولد لوالده. قال: أما سمعتَ ابنَ عمر (٢) يقول: قال رسول الله : "الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة" أفلا تُجيزُ شهادتهما؟! واللهِ لتخرجنَّ (إلى) بانِقْيا، فلتقضينَّ بين أهلها أربعين يومًا (٣).

وروى أبو القاسم ابن عساكر عن ابن قتيبة في امرأتين اختصمتا إلى شُريح في ولدِ هِرَّة، فقال: ألقوها مع هذه، فإن هي قرَّت ودرَّت واسْبَطَرَّت، فهي لها، وإن هي فرَّت وهرَّت واقشعرَّت، فليست لها. ومعنى اسْبَطَرَّت: امتدَّت للرضاع (٤).

وقال الشعبي: جاءت امرأة إلى عليّ تخاصمُ زوجها وقد طلَّقها، فادَّعت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض، وكان شُريح عنده، فقال له: قُلْ فيها، فقال: أقول وأنت شاهد؟ قال: قل. قال: إن جاءت بامرأة من أهلها ممن ترضى دينها وأمانتها؛ تزعم أنها حاضت ثلاث حيض، تطهر عند كلّ قَرْء طهرًا وتصلّي؛ قبلتَ قولَها، وإلا


(١) الأغاني ١٧/ ٢١٨ - ٢١٩.
(٢) الأغاني: عمر.
(٣) جاء بعده في (ص) (والكلام منها): قال ابن عائشة: نظر شُريح إلى رجل قائم على رأسه وهو يضحك … وسيرد هذا الخبر (دون نسبة كما في النسخ الأخرى) بإثر هذا الكلام الذي بين حاصرتين، والذي هو في (ص) وبعضه في (م).
(٤) تاريخ دمشق ٨/ ٤٩ - ٥٠ (مصورة دار البشير).