للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: أنت الذي غزا أمير المؤمنين عثمان؟ قال: بلى. قال: وما حملَك على ذلك؟ قال: حبس أبي بغير ذنب وكان شيخًا كبيرًا حتى مات. قال: ألستَ القائل:

هممتُ ولم أفعل وكدتُ وليتني … تركتُ على عثمان تبكي حلائلُهْ

إني لأحسبُ في قتلك صلاحَ المِصْرَين. قم إليه يا حرسي فاضرب عنقه. فقام فضرب عنقه، ونهب ماله.

وفي رواية عمر بن شبَّة أن عنبسة بن سعيد كان إلى جانب الحجاج، فقال: هذا الذي دخل على عثمان قتيلًا فلطم وجهه. فأمر به الحجاج، فضُربت عنقه، فكان أوَّلَ من قتله الحجاج بالكوفة، فقال الناس: قدم الكوفة رجل من شرّ أحياء العرب من هذا الحيّ من ثمود، دقيق الساقين، ممسوح الجاعرتين، أخفش العينين، فقدَّم سيّدَ الحيّ عميرَ بن ضابئ، فقتله (١).

وذكر أبو عبيدة معمر قصته أتمّ من هذا فقال: لما] نزل من المنبر جاءه عُمير بن ضابئ، ومعه ابنانِ له، وقد ركبَ معه من البراجمة ألفا فارس وقالوا له: إنْ رابَكَ من الحجَّاج أمرٌ فَدَمُنا دونَ دمك. وكان الحجَّاج في القصر. فدخلَ عليه فقال: إني شيخ كبير، وقد خرجَ اسمي في هذا البعث، وليس لي قوة على المسير، وهذا ابني أقوى مني، فإنْ رأيتَ أن تمنَّ عليَّ بلزومي منزلي، وتُسيِّرَ ابني عوضي. فقال له الحجَّاج: نعم، انطلق راشدًا، وابعثْ ابنك بديلًا. فلما ولَّى قال عنبسة بن سعيد: أيُّها الأمير، أتعرفُ هذا الشيخ الذي جاءك آنفًا؟ قال: لا. قال: هذا عُمير بن ضابئ البُرْجُمي الذي هجا أبوه بني قَطَن بسبب كلب لهم يقال له: قُرْحان، وكان يصيد حُمُر الوحش، فاستعارَه منهم، فطلبوه، فمنعهم منه؛ فركبوا إليه، فثاوروه، فقال:

تكلَّف دوني وَفْدُ قُرْحانَ شُقَّةً … تظلُّ لها الوجناءُ وهي حَسِيرُ


(١) تاريخ الطبري ٦/ ٢٠٧ - ٢٠٨. وينظر "أنساب الأشراف" ١١/ ٣٠٢ - ٣٠٤. وقوله: الجاعِرَتَين؛ الجاعِرَة: حرفُ الوَرِك المشرف على الفخذ، وهما جاعِرَتان.