للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُجهِّز أربعة آلاف [أُخر] مع رجل شجاع شريف، فليلحق بسفيان بن الأبرد لقتال شبيب، فجهّز زياد بن عمرو العتَكي، فلم ينته (١) إلى سفيان حتى التقى سفيان وشَبيب على جسر دُجَيل الأهواز، وعبر إليه شَبيب في ثلاثة كراديس، شَبيب في كُردوس، وسويد في كردوس، وقَعْنَب في كرودس، وخَلّف المحلّل [بن وائل] في باقي عسكره.

وبعث سفيان على ميمنته بشر بن حَسّان الفِهريّ، وعلى ميسرته عُمر بن هُبَيرة الفَزاري، وعلى الخيل ناصر (٢) بن صَيفي العُذري، ووقف سفيان في القلب، ثم اقتتلوا، فقال سفيان: لا تتفَرّقوا، وازحفوا إليهم زَحْفًا، فما زالوا يقاتلونهم حتى ألجؤوهم إلى الجسر، وكان نصف النهار، فاقتتلوا إلى الليل، وترجّل شبيب في مئة من أصحابه، وقاتل قتالًا شديدًا حتى اختلط الظلام، وانصرفوا فقال سفيان لأصحابه: لا تتبعوهم، فإذا كان من الغد نازَلْناهم، وكان الجسر من السُّفن، فقال شبيب لأصحابه: اعبروا فإذا كان من الغد باكَرْناهم، ولم يقل: إن شاء الله تعالى، فعبروا وتَخَلّف هو في آخرهم وتحته حصان، وبين يديه فرسٌ أنثى ماذيانة، فنزا فرسُه عليها وهو على الجسر، فاضطربت الماذيانة، ونزل حافِرُ فرس شبيب على حرف السفينة فسقط في الماء، فقال: ﴿لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا﴾ [الأنفال: ٤٢]، فغاص في الماء، ثم ارتفع وقال: ذلك تقدير العزيز العليم، ثم غاص، وهذا هو المشهور.

وروى أبو مخنف عن أشياخه: أن شبيبًا كان معه قومٌ (٣) قد وَتَرهم وهم خائفون منه، فاتفقوا في تلك الليلة عليه، فلما تخلّف في أخريات الناس قال بعضهم لبعض: هل لكم أن نقطع به (٤) الجسر فندرك ثأرنا الساعة، فقطعوا الجسر، فمالت السُّفن، ففزع فرسُه فنَفر، فوقع في الماء فغرق، ولما غرق تنادَوا فيما بينهم: غرق أمير المؤمنين، وبلغ سفيان بن الأَبْرد غرق شبيب، فأتى إلى الجسر فأقام عليه باقي الليل إلى الصباح، ثم أصبح فاستخرجه وعليه الدّرع، فشقّ بطنَه وأخرج قلبه، فكان مجتمعًا صُلبًا كأنه صَخرة، فضرب به الأرض فوثب قامةَ الإنسان، وكلما ضرب به الأرض وثَب كذلك.


(١) في النسخ: ينتهي. وما بين معكوفات من (ص) و (م).
(٢) في "تاريخ الطبري" ٦/ ٢٧٩: مُهاصِر.
(٣) في (أ) و (خ) و (ب) و (د): وقال أبو مخنف: كان مع شبيب قوم، والمثبت من (ص) و (م).
(٤) في (ص): عليه.