للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لتَجبُرَ منه جانبًا ذَعْذَعَتْ به (١) … صُروفُ الليالي والزمانُ المُصمصِمُ

فقال له ابن الزبير: هوِّن عليك أبا ليلى؛ فإن الشعر أهونُ وَسائلك عندنا، أما صَفْو مالنا فلآل الزُّبير، وأمّا عَفْوُه فإن بني أسد وبني تَيم تَشْغَلُنا عنك، ولكن لك في مال الله حَقَّان: حقٌّ برؤيتك رسول الله ، وحقٌّ بشَرِكتك أهل الإسلام في فَيئهم.

ثم قام وأخذ بيده؛ فدخل به دار النَّعَم، فأعطاه قَلائص سَبْعًا، وجَملًا وخَيلًا، وأَوْقَر له الرِّكاب بُرًّا وتمرًا وثيابًا، فجعل النابغة يستعجل فيأكل الحبَّ صِرفًا، فقال له ابن الزيبر: ويحَ أبي ليلى، لقد بلغ منه الجَهْدُ!.

ذكر وفاته:

مات بأصبهان، وقال الهيثم: لما سألتْ ليلى الأخيَلِيَّة الحجاج، أجابها (٢) إلى ذلك، وبلغ النابغة فخرج هاربًا من الحجاج، فمات بسَاوَة.

وعاش مئة وستين سنة، لم يتغيّر منه سِنّ ولا غيره بدعاء رسول الله ، وقيل: عاش مئتي سنة، قال النَّضْر بن شُمَيل: قال النابغة الجَعدي: عِشت دارَين، ثم أدركتُ محمدًا فأسلَمتُ، الدَّاران: مئتا سنة (٣).

وقال النابغة: كنتُ أجيبُ عن رسول الله حتى قبضه الله.

وقال يَعلي بن الأشْدَق: سمعتُ النابغة الجَعدِيّ يقول: أنشدتُ رسول الله : [من الطويل]

بلغْنَا السماءَ مجدُنا وجدودُنا … وإنا لنرجو فوق ذلك مَظهرا

فقال: "إلى أين يا أبا ليلى؟ " فقلت: إلى الجنّة، فقال رسول الله : "إن شاء الله"، ثم قال النابغة:


(١) في النسخ: وابحر … دعدت، والمثبت من المصادر، انظر "الأغاني" ٥/ ٢٨، و"الاستيعاب" (٢٦٤٦)، و"المنتظم" ٦/ ٢٠٩، و"ديوانه" ٢٠٥، والعثمثم: الجمل الشديد الطويل، وذعذعت: فرقت ماله.
(٢) في النسخ الخطية: الحجاج بن مسلمة فرب أجابها … والتحريف به ظاهر. وقد ذكر القالي في "أماليه" ١/ ٨٩ أن ليلى الأخيلية وفدت على الحجاج، وطلبت إليه أن يدفع النابغة الجعدي إليها، فبلغه ذلك، فخرج هاربًا عائذًا بعبد الملك، فاتبعته إلى الشام، فهرب إلى قتيبة بن مسلم بخراسان.
(٣) "المنتظم" ٦/ ٢١٠.