للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلُّكم عارٍ إلا مَن كَسوتُه، فاستكسوني أكْسُكُم. يا عبادي، إنكم تُخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفِرُ الذُّنوبَ جميعًا، فاستغفروني أغْفِر لكم. يا عبادي، إنكم لن تَبلغوا ضَرِّي فتَضُرُّوني، ولن تبلغوا نَفعي فتنفعوني. يا عبادي، لو أن أوَّلكم وآخِرَكم وإنْسَكم وجنَّكم؛ كانوا على أتقى قلبِ رجلٍ واحدٍ منكم، ما زاد ذلك في مُلكي شيئًا. يا عبادي، لو أن أوّلَكم وآخِرَكم وإنْسَكم وجنكَم؛ كانوا على أفْجَرِ قلبِ رجلٍ واحدٍ منكم، ما نَقَص ذلك من مُلكي شيئًا. يا عبادي، لو أن أوَّلَكم وآخرَكم وإنْسَكم وجِنكَم؛ قاموا في صَعيدٍ واحدٍ وسألوني، فأعطيتُ كل إنسانٍ مسألَتَه؛ ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنقص المِخْيَطُ إذا أُدخِل البحر. يا عبادي، إنما هي أعمالُكم؛ أُحصيها لكم، ثم أُوَفّيكم إيّاها، فمن وَجَد خيرًا فلْيَحمَد الله، ومَن وَجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَه.

فكان أبو إدريس الخَوْلاني إذا حدَّث بهذا الحديث جثا على رُكبتَيه. انفرد بإخراجه مسلم.

وأخرج الإمام أحمد طريقًا لبعضه: حدثنا ابن نُمير، حدثنا موسى بن المسيّب، عن شهر، عن عبد الرحمن بن غَنْم، عن أبي ذَرّ، عن النبي قال: "يقول الله تعالى: يا عبادي، كلّكم مُذنب إلا مَن عافَيتُ، فاستغفروني أغفِر لكم، وكلكم فقير إلا مَن أغنيتُ، إني جَواد ماجِد واجد، أفعل ما أشاء، عَطائي كلام، وعَذابي كلام، إذا أردتُ شيئًا إنما أقول له: كن فيكون" (١).

وقال يزيد بن عبيدة: رأيتُ أبا إدريس الخَوْلاني في زمان عبد الملك بن مروان وإن حِلَق المسجد بدمشق يقرؤون القرآن جميعًا يدرسونه، وأبو إدريس جالس إلى بعض العُمُد، فكلما مَرَّت آيةُ سجدة بحلقة بعثوا إليه، فيقرأ بها، ثم يسجد فيسجدون جميعًا بسجوده، وربما سجد بهم اثنتي عشرة سجدة.

وقال يزيد بن أبي مالك: جلسنا يومًا إلى أبي إدريس، فحدَّثَنا عن بعض مغازي رسول الله ، فقال له رجل من ناحية المجلس: أحضرتَ هذه الغزاة؟ قال: لا، فقال الرجل: قد حضرتُها مع رسول الله ، ولأنتَ أحفظُ لها منيّ (٢).


(١) هو في مسند أحمد (٢١٥٤٠) مطول.
(٢) أخرجهما ابن عساكر ٥١٦، ٥١٧ (عاصم- عائذ) طبع مجمع اللغة بدمشق. وانظر في ترجمة أبي إدريس: "الاستيعاب" (١٩٩٩ و ٢٨٤٤)، و"حلية الأولياء" ٥/ ١٢٢، و"السير" ٤/ ٢٧٢.