يؤيد، فأحضر رجلًا عراقيًّا ظريفًا، وباح إليه بما في نفسه، فقال له: إن عبد الله لا يبيعها ولا يُعتقها أبدًا بملك الدينا، ولكن سأتلطَّف لك، ادفع إليّ التُّحَفَ والهدايا والمال، فدفع إليه جملةً من ذلك.
فقدم المدينة، فنزل في جِوار عبد الله بن جعفر، وأهدى إليه من ذلك شيئًا كثيرًا، فأنِس به، وأحضر يومًا عمارة بحضرة العراقي، فغَنّت فعجب بها، وقال له ابن جعفر: هل رأيتَ في الدنيا مثلها؟ قال: لا والله ما تَصلُح إلا لك، قال: فكم تُساوي؟ قال الرجل: لا أجِدُ لها ثمنًا غير الخلافة، فقال له ابن جعفر: إنما قلتَ ذلك لتزداد رَغبتي فيها (١)؟! فقال: لا والله، وإنني رجل تاجر، ولو أُعطيتُها بعشرة آلاف دينار لاشتريتُها، فقال ابن جعفر: وهل تساوي في هذا الزمان جاريةٌ عشرة آلاف دينار؟! [قال: هذه، فقال ابن جعفر. قد بعتكها بعشرة آلاف دينار]، فقال: اشتريتُها وأوجب البيع.
وقام العراقي من ساعته وبعث بالمال، فقال ابن جعفر: إنما كنتُ مازحًا، فقال العراقي: البيعُ جِدُّه وهزْلُه سواء، فقال: ما بعتك ولا أبيعُها بالدنيا وما فيها، قال الرجل: "استحلفتُك عند القبر والمنبر، ففكَّر ابن جعفر وقال: يُحَلِّفني فيقول الناس: قهر عبدُ الله ضيفَه وظَلمه حتى ألجأه إلى اليمين، ما ثَمَّ غير الصبرِ وحُسنِ العَزاء، خُذها، ودفعها إليه، فأخذها من وقته، وخرج إلى الشام، وقال لها: استتري، فوالله ما اشتريتُك لنفسي، وإنما اشتريتُك للخليفة، ولستِ من جَواريَّ، وأخاف أن تَتوقَ إليكِ نفسي، فاحتجبي.
وسار إلى دمشق، فلما قَدِمها إذا بجنازة يزيد، وقد استخلف ابنَه معاوية، فأقام أَيامًا، وتلطَّف حتى دخل عليه، فقص عليه القصّة -وكان عبد الله بن جعفر قد جهَّزها بثلاثة آلاف دينار- فقال معاوية بن يزيد للعراقي: الجارية وما معها لك، وارْحَل من يومك عن الشام؛ لا أسمع لك فيه خبرًا، فرحل وقال لها: قد قلتُ لك: إنكِ ليزيد، وقد صرتِ الآن لي، وإني أشهد الله أنني قد رددتُكِ على عبد الله بن جعفر، فاستتري مني إلى المدينة.