للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فجمع ابن الأشعث الناس، وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني لكم ناصح، وعليكم مُشفق، وقد كان من رأيي ورأيكم ما اتَّفقْنا عليه من صلاح الأحوال، وقد جاءني كتابُ الحجاج يُعجِّزني ويضعفُني، ويأمرني بالوُغول في الأرض التي هلك فيها إخوانكم المسلمون بالأمس، لنَهلِك كما هلكوا، فرَوْا رأيَكم، فنادوه: لا سمعَ لعدوِّ الله ولا طاعة.

وقيل: إن الحجّاج بعثَ إسحاقَ إلى عبد الرحمن في جيش، وكتب إلى عبد الرحمن أن: سر إلى بلاد التُّرك، وإلا فقد وَلَّيتُ أخاك إسحاق أميرَ الجند. فعزَّ على ابن الأشعث، وخلع الحجاج، وصعد المنبر وقال (١): أيها الناس، إن الحجاج لا يُبالي أن يُخاطر بكم فتَقتَحموا البلاد، فإن ظَفِرتم أكل بكم البلاد، وإن ظَفر بكم العدوّ كنتم الأعداء البُغَضاءَ. اخلعوا عدوّا الله، فنادى [الناس] من كل جانب: قد خلعناه.

وقام عبد المؤمن بن شَبَث بن رِبعيّ التَّميمي -وكان على الشرطة- فقال: إنكم إن أطعتُم الحجاج جعل هذه البلاد بلادَكم ما بقيتم، ولم تُعاينوا الأحبة، أو يموتَ أكثرُكم، بايعوا أميرَكم، وانصرفوا إلى بلادكم فانْفُوا عدوَّ الله منها، فبايعوه على خَلْعِ الحجاج وجهادِه، ونفيِه من أرض العراق، ولم يذكروا عبدَ الملك حينئذ بشيء.

وبعث ابنُ الأشعث إلى رُتْبيل فصالحه على أنه إنْ ظهر على الحجَّاج وضع عنه خراجَه، كان لم يَطْهر أو هُزِم والتجأ إليه حَماه من الحجاج، وتعاهدا وتعاقدا، ثم سار ابنُ الأشعث بجيوشه من بُسْت، وبين يديه الأعشى (٢) على فرسٍ وهو يرتجز ويقول:

شَطَّتْ نَوى مَن دارُه بالإيوان … إيوانِ كِسرى ذي البُنا بالرَّيحانْ (٣)

من عاشقٍ أمسى بزابُلِسْتان … إنّ ثَقيفًا منهم الكَذَّابانْ

كَّذابُها الماضي وكذابٌ ثانْ … أمكن ربّي من ثَقيفِ همدَان

إنا صَمدنا للكَفورِ الفَتَّان … لما طَغى في الكُفْرِ بعد الإيمان


(١) في الطبريّ ٦/ ٣٣٥، و"أنساب الأشراف" ٦/ ٤٣٠، و"المنتظم" ٦/ ٢٢٥ أن القائل عامر بن واثلة الكناني.
(٢) هو الهمداني، والرجز في الطبري ٦/ ٣٣٧، و"أنساب الأشراف" ٦/ ٤٣٢. ببعض اختلاف.
(٣) في المصدرين: ذي القرى والريحان.