للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأراد قتلَه، فقال: استَبْقِني فإني أعظمُ فُرسانك، فاستبقاه وبايعه، ودخل وجوه أهل الكوفة فبايعوا ابن الأشعث، وأتاه العلماء والزُّهَّاد من الأمصار.

وقتل الحجاج يوم الزاوية أحد عشر ألفًا، نادى مناديه بالأمان، ثم قتلهم إلا واحدًا كان ابنه معه (١). وأقام الحجاج بالبصرة إلى أوَّل صفر، واستخلف عليها أيّوب بن الحكم أبن أبي عقيل، وسار من البصرة في البرّ حتى مرَّ بين القادسية والعُذَيب، فبعث إليه ابن الأشعث عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب في خيل عظيمة، فمنعه من نزول القادسية، ثم سايروه إلى دَير قُرَّة، فنزل الحجاج به، وجاء ابن الأشعث فنزل دير الجَماجم، وكان نزول ابن الأشعث بدير الجماجم في شعبان.

وتفاءل الحجاج بذلك، فكان يقول بعد الوقعة: قاتل الله ابن الأشعث، أما كان يَزجُر الطيرَ حتى رآني قد نزلتُ بدير قُرَّة، ونزل هو بدير الجَماجم، أي: أستقرُ بالبلاد، وتقر عيني، وتكثر جماجم أصحابه، ودير قُرَّة مما يلي الكوفة-.

واجتمع أهل الكوفة والبصرة، وأهل الأمصار والثغور، والقراء من المصريين على حرب الحجاج والبغضِ له، وكانوا مئةَ ألف مقاتل ممَّن يأخذ العطاء، ومعهم مثلُهم من مواليهم، وأما المطَّوِّعة فخلقٌ لا يُحصَون، جاءت أمداد الشام إلى الحجاج، وكان في عزمه أن ينزل قريبًا من الجزيرة والشام، أو يرتفعَ إلى هِيت ليكون قريبًا من عبد الملك، فلما مر بدير قُرَّة تفاءل به وقال: عينُ التَّمْرِ قريبةٌ منا، وخندق على عسكره، وخندق ابن الأشعث أيضًا، وكانوا يخرجون من الخنادق فيقتتلون.

وكان على ميمنة ابن الأشعث الحجاج بن جارية الخَثْعَميّ، وكان على ميسرته الأَبْرَد بن قُرَّة التَّميمي، وعلى خيله عبد الرحمن بن عباس الهاشمي، وعلى رجَّالته محمد بن سعد بن أبي وقاص، وعلى القُرَّاء جَبَلَة بن زَحْر بن قيس الجُعْفِيّ، وكان فيهم عامر الشَّعبيّ، وسعيد بن جُبير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو البَخْتَري الطائي وغيوهم.

وكان على ميمنة الحجاج عبد الرحمن بن سليمان (٢) الكنانيّ، وعلى ميسرته عُمارة بن تميم، وعلى خيله سفيان بن الأَبْرد، وعلى الرجَّالة عبد الله بن حبيب، ودام القتال


(١) انظر الطبري ٦/ ٣٨١.
(٢) في الطبري ٦/ ٣٤٩، و "المنتظم" ٦/ ٢٣٣: سليم.