وكان رُتبيل لما بلغه مَقدَم ابن الأشعث خرج بجنوده ليستقبله، فأُخبر بخبره، فجاء فأحاط ببُسْت، وأرسل إلى العامل: والله لئن آذيتَه بما يُقْذي عينَه؛ لا أبرحُ حتى آخُذَ البلد، وأقتُلَك وجميعَ من معك، وأَسبي ذَراريكم، وأقسم أموالكم، فأرسل إليه العامل يَطلب أمانًا على نفسه وماله وأهل البلد، فأعطاهم وأطلق ابن الأشعث، فجاء إلى رُتبيل، فخرج فالتقاه، وأكرمه، وأحسن إليه، وسار معه إلى بلاده، فأنزله وعظَّمه، ودفع إليه الأموال والخيلَ والعبيد.
وأقبل فَلُّ ابنِ الأشعث وكانوا ستين ألفًا، فنزلوا على عبد الله بن عامر بزَرَنْج وحصروه، وكتبوا إلى ابن الأشعث: أقبلْ إلينا فنحن في ستين ألفًا، وفيهم وجوه الأشراف ممَّن لم يُعطهم الحجاجُ الأمان، فأَخبر رُتبيل فقال: أقم عندي، فأهلُ العراق غُدُر، وقد خانوك، فلم يلتفت، فسار إليهم، فحصَروا عبد الله بن عامر حتى أنزلوه، وضَربوه وعَذَّبوه، وأقبل نحوهم عُمارة بن تميم في جيش أهل الشام، فقالوا لابن الأشعث: اخرُجْ بنا عن سجستان فلنَدَعْها لعُمارة، ونأتي (١) خراسان، فقال لهم: عليها يزيد بن المُهَلَّب، وهو شابٌ شُجاع صارم، وليس بتارك لكم سُلطانَه، ولن يَدَعَ أهلُ الشام اتِّباعكم، فأكره أن يَجتمع علينا أهلُ خراسان وأهلُ الشام، فقالوا: أهلُ خراسان منا، وهي أرض عَريضة طويلة، نسير فيها حيث شئنا؛ إلى أن يُهلك الله الحجاج أو عبد الملك، فقال لهم: فسيروا على خِيرة الله.
فساروا حتى بلغوا هَراة، وخرج عُبيد الله بن عبد الرحمن بن سَمُرَةَ القُرشيّ في ألفين، ففارق ابنَ الأشعث، وسلك غير [طريقهم] ليلًا، فلما أصبح ابن الأشعث قام فيهم خطيبًا فقال:
أما بعد، فقد جَرَّبْتُكم في مواطنَ ليس فيها مَوطنٌ إلا وأصبِر لكم فيه حتى لا يبقى فيه منكم أحد، فلما رأيتُ أنكم لا تقاتلون ولا تصبرون؛ أتيتُ مَلْجأ ومَأمَنًا يُغني عند رُتْبيل، فكنتُ فيه، فجاءتني كُتبُكم أن أقبِل إلينا فقد اجتمعنا وأمرُنا واحد، ثم تتفرَّقون