للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتقول: يا نفس، النوم أمامَك، ولو قد متِّ لطالت رَقْدَتُك في القبر على حسرةٍ أو سرور، [قالت:] فهي كذلك حتى تُصبح.

[قالت:] وكانت تصلّي كلّ يومٍ وليلةٍ ستّ مئة ركعة، وتقرأ جُزأها من القرآن، تقوم به الليل وتقول: عَجِبتُ لعينٍ تنام وقد عرفتْ طُولَ الرُّقادِ في ظُلمة القبور.

[وقال ابن أبي الدنيا بإسناده: إنها] لم ترفع رأسَها إلى السماء أربعين عامًا.

[قال: وقالت معاذة لابنةٍ] أرضعتْها (١): يا بُنَيّة، كوني من لقاء الله على حذر ورجاء، فإني رأيت الراجي له مَحْفوفًا بحسن الزُّلفى لديه يوم القيامة، ورأيت الخائف له مؤمِّلًا للأمان يوم يقوم الناس لرب العالمين، ثم غلب عليها البكاء.

[قال:] وقالت: قد صحبتُ الدنيا سبعين عامًا، فما رأيتُ فيها قُرَّةَ عينٍ قط، وكيف أرى السرورَ فيها وقد كَدَّرَتْ على الأمم قبلَنا عيشَهم؟!

[وروى ابن أبي الدنيا أن معاذة] لم تتوسَّد فراشًا بعد أبي الصَّهْباء حتى ماتت (٢).

[قال:] وكانت تقول: والله ما أحبُّ البقاءَ في الدنيا إلا لأتقرَّبَ إلى الله بالوسائل، لعله أن يجمع بيني وبين أبي الصَّهباء وولده في الجنة، فلما احتُضرت بكت ثم ضحكت، فقيل لها في ذلك فقالت: أما بكائي فإني ذكرتُ مفارقةَ الصلاةِ والصيام والذّكر، وأما ضحكي فإني رأيتُ أبا الصهباء قد أقبلَ في صحن الدار، وعليه حُلَّتان خَضْروان ما رأيتُ في الدنيا أحسنَ منهما، ورأيت معه نفرًا ليس في الدنيا مَن يُشببهم (٣) فضحكتُ فَرَحًا بهم، ثم ماتت بعد ساعة قبل دخول وقتِ الصلاة.

[قال الواقدي: توفيت معاذة] في سنة ثلاث وثمانين، وروت عن عائشة رضوان الله عليها، وروى عنها الحسن البصري وغيره، والله أعلم (٤).


(١) في (أ) و (ب) و (خ) و (د): وقالت لامرأة أرضعتها، والمثبت من (ص) وما بين معكوفات منها.
(٢) انظر "التهجد وقيام الليل" لابن أبي الدنيا (٨١) (٨٢) (١٤٥)، وما بين معكوفات من (ص)، وقوله: لم تتوسد … جاء في (أ) و (ب) و (خ) و (د) عقب القول الذي قبله. والمثبت من (ص).
(٣) في (أ): لم أر في الدنيا من يشبههم أحسن منهم.
(٤) بعدها في (ص): السنة الرابعة والثمانون. وانظر ترجمة معاذة في "طبقات ابن سعد" ١٠/ ٤٤٧، و"المنتظم" ٦/ ٢٥٤، و"صفة الصفوة" ٤/ ٢٢ - ٢٤، و"السير" ٤/ ٥٠٨.