للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾ [الصف: ٩]، ووعد المجاهدين في سبيله أحسنَ الذّكر وأعظمَ الأجر فقال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الآية [التوبة: ١٢٠]؛ ثم أخبر عمَّن قُتل في سبيله وأنه حي يرزق فقال: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا﴾ الآية [آل عمران: ١٦٩]، فتنجَّزوا موعدَ ربّكم، ووَطّنوا نفوسكم على أقصى الأَثَر، وأمضّ الألم، وإياكم والهُوَينى.

وكان قُدومُه خراسان والمفضَّل بن المُهَلَّب يَعرض الجُند ليَقطع النهرَ غازيًا، فغزا بهم قتيبة، ولما قطع النهر بعد ما وصل إلى الطّالقان تلقَّتْه الملوك بالهدايا، منهم تيش ملك الصَّغانيان، وكان في هداياه مفتاح بلده وكان من ذَهَب، وأذعن له الملوك بالانقياد، وأهل الطُّخارستان وغيرها فصالحوه، فخلَّف أخاه صالح بن مسلم في الجيش.

وعاد قتيبة إلى مرو، وفتح صالح بعد مسير أخيه إلى مرو فتوحات، وكان في جيشه نَصر بن سَيَّار، فأبلى بلاءً حسنًا، فأعطاه ضَيعة تُدعى تنجانة، ثم رجع صالح إلى مَرو فاستعمله أخوه قتيبة على التِّرمذ.

وقيل: إن قتيبة أقام في هذه السنة على بَلْخ؛ لأن بعضَها كان مُنتقِضًا عَليه، وقد حارب أهلُها المسلمين، فقاتلهم وسبى منهم، وكان فيمن سبى امرأة بَرْمَك -وكان بَرمَك [على] النُّوبَهار- فصارت إلى عبد الله بن مسلم أخي قُتيبة، وكان به طَرفٌ من الجُذام، ويُدعى بالفقير، فوقع عليها، ثم إن أهل بَلْخ صالحوا غَدَ ذلك اليوم الذي حاربهم قتيبة، فأمر بردّ السَّبْي، فقالت امرأة بَرمَك لعبد الله: إني قد عَلِقْتُ منك فلا تَرُدَّني، وأقامت عنده فاحتُضر، فأوصى أخاه قُتيبة أن يُلحق ما في بطنها بنسبه، ورُدَّت إلى بَرمَك، فولدت عنده خالدًا، وكان بَرمَك يدَّعي أنَّه وَلَده، فيقال: إن ولد عبد الله بن مسلم جاؤوا في أيام محمد المهديّ حين قَدِم الريّ ومعه خالد بن بَرْمَك (١)؛ فادَّعَوا أن خالدًا منهم، وأرادوا أن يُلحقوه بنسبهم، فقال مُسلم بن قتيبة: إن استلحقتموه فلا بُدَّ لكم أن تُزَوِّجوه، فتركوه وأعرضوا عن دعواهم.

ويقال: إن بَرْمَك كان طبيبًا فداوى مُسلم بن قُتيبة من مرضٍ كان به.


(١) في تاريخ الطبري ٦/ ٤٢٥: حين قدم الرَّي إلى خالد بن برمك.