أجرتُ إلَّا سامعًا مطيعًا، حسنَ البلاء والأثر فِي الإِسلام هو وأبوه وأهل بيته، وقد بعثتُ به إليك، وأنا أُعيذك بالله من قطيعتي، وانتهاك حُرمتي، وتَرْك برِّي وصلتي، فوالله ما تدري كم بقائي وبقاؤك، ولا متى يفرق الموت بيننا، والله ما أصبحتُ لشيءٍ من أمور الدنيا بعد تقوى الله بأسرّ مني برضاك عني، وإنما ألتمس به رضي الله تعالى، فإن كنتَ تريد بِرّي وصِلتي وإكرامي فأكرم يزيد، وتجاوز عنه، وكل ما طلبتَ منه فهو عليّ والسلام.
ولما قَرُب أَيُّوب من الوليد جعل نفسه مع يزيد فِي سلسلة، ودخل عليه، فلما رأى الوليد ابنَ أخيه مع يزيد فِي سلسلة قال: والله لقد بلغنا من سليمان، ثم ناوله أَيُّوب الكتاب، وقال له: يَا أمير المُؤْمنين، نفسي فداؤك لا تَخفِر ذمة أبي، ولا تقطع رجاءنا منك، ولا تُذلّ من رجا العزَّ بنا لعزِّنا بك. ولما قرأ الوليد الكتاب قال: لقد شَقَقْنا على سليمان، ثم دعا بابن أخيه فأدناه منه، وتكلّم يزيد بن المهلب فحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على رسول الله ﷺ، ثم قال: يَا أمير المُؤْمنين، إن بلاءكم عندنا أحسنُ النبلاء، فمن نسي ذلك فلسنا بناسيه، وقد كان من بلائنا أهلَ البيت فِي طاعتكم والطّعن فِي عين أعدائكم فِي المواطن العظام فِي المشارق والمغارب ما قد كان، وأمير المُؤْمنين أعلم بذلك، فقال له الوليد: اجلس فأنت آمن، وأعاده وإخوته إِلَى سليمان، وكتب إليه بإجابة سؤاله، والرّضى عن آل المهلب، وكتب إِلَى الحجاج: إنِّي لم أصل إِلَى يزيد، وأهلُ بيته مع سليمان، فاكفف عنهم، والْهُ عن الكتاب إليّ فيهم، فكفّ الحجاج عنهم، وأسقط عن حبيب بن المهلب وآل المهلب ما كان يطالبهم به.
وأقام يزيد عند سليمان على أحسن حال، فكان يُلاطفه بالهدايا، فلا يؤتى سليمان بهدية إلَّا وبعث إِلَى يزيد بنصفها، ولا جارية تعجبه إلَّا بعث بها إِلَى يزيد، وبلغ الوليد، فبعث إِلَى سليمان الحارثَ بنَ مالك الأَشعريّ، وحمّله إليه رسالة غليظة، وقال له: قَبِّح عليه ما يفعل مع يزيد؛ حتَّى يبعث إليه بجواريه.
فجاء الأَشعريّ، فدخل على سليمان وهو يقرأ فِي المصحف، فسلم عليه، فلم يرد عليه السلام حتَّى فرغ من القراءة، فأبلغه الرسالة فقال: والله لئن قدرت عليك يومًا من