ثم أقمتُ شهرًا لم آت سعيدًا ولا يأتيني، ثم أتيتُه بعد ذلك وهو فِي حلقته، فسلّمت عليه فردَّ ولم يكلّمني، فلما تقوّض المجلس ولم يبق غيري قال: ما حال ذلك الإنسان؟ قلت: بخير، قال: إن رابك شيء فالعصا، فانصرفتُ إِلَى منزلي، فوجّه إليّ سعيد بعشرين أَلْف درهم.
قال عبد الله بن سليمان: وكان عبد الملك بن مروان قد خطب ابنة سعيد هذه على ابنه الوليد حين ولّاه العهد، فأبى سعيد أن يزوِّجه، فلم يزل عبد الملك يحتال عليه حتَّى ضربه مئة سَوط في يوم بارد، وصبَّ عليه جَرَّةً من ماء، وألبسه جُبَّة صُوف.
ذكر ضرب سعيد:
[قال علماء السير: ضُرب سعيد بن المسيّب مرارًا فِي أيام ابن الزُّبير، وفي أيام عبد الملك بن مروان، فأما فِي أيام ابن الزُّبير فحكى ابن سعد، عن الواقديّ قال: حَدَّثني عبد الله بن جعفر وغيره قالوا:] استعمل عبد الله بن الزُّبير جابر بن الأسود بن عَوف الزُّهري على المدينة، ودعا النَّاس إِلَى البيعة لابن الزُّبير، فقال سعيد: لا أبايع حتَّى يجتمع النَّاس على إمام، فضربه جابر ستين سَوطًا، وبلغ ابن الزُّبير، فكتب إِلَى جابر يلومه ويقول: ما لنا ولسعيد، دَعْه.
[وحكى ابن سعد، عن الواقديّ، عن عبد الله بن جعفر، عن عبد الواحد بن أبي عَوْن قال: كان جابر بن الأسود عامل ابن الزُّبير على المدينة قد تزوج خامسة قبل أن تنقضي عدة الرابعة، فلما ضُرب سعيد بن المسيّب صاح به والسياط تأخذه: يَا جابر، والله ما ربَّعتَ على كتاب الله تعالى، فإن الله تعالى يقول: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء: ٣] وأنت خالفتَ كتاب الله، وإنما هي لَيالٍ، فاصنع ما بدا لك فسوف يأتيك ما تكره، فما مكث إلَّا يسيرًا حتَّى قُتل ابن الزُّبير (١).
قلت: وهذا الأثر يقوي مذهب أبي حنيفة أنَّه لا يجوز نكاح الأخت فِي عدة الأخت، وبه قال الإِمام أَحْمد، وقال مالك والشافعي: يجوز إذا كان فِي طلاق بائن أو ثلاث.