للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن عيّاش: فلقيتُ الفرزدق، فقلت: ما ندري بأي قوليك نأخذ، بمدحك الحجاج أم بهجائه؟! فقال: إنما نكون مع أحدهم إذا كان الله معه، فإذا تخلّى عنه تخلينا عنه (١).

وخطب خالد بمكة وهو عامل للوليد عليها، فأثنى على الحجاج كثيرًا، فلما نزل جاءه كتاب سليمان بن عبد الملك يأمره بلعنة الحجاج على المنبر، وسبِّه، وذكرِ مَثالبه، فصعد المنبر الجمعةَ الأخرى، فلعنه، وسبه، وعدّ قبائحه، فناداه رجل: بالأمس تمدحه واليوم تلعنه؟! فقال له خالد: إن إبليس كان من الملائكة، وكان يُظهر من العبادة لله ما كانت الملائكة تعترف له بالفضل عليها، وإن الحجاج كان يُظهر من الطاعة لأمير المؤمنين ما كنا نرى له الفضل علينا، وكان يُضمِر من الغِلِّ في قلبه، ومن الغشِّ في صدره؛ ما كان يَخفى علينا، فلما أراد الله تعالى أن يَفضحه فضحه على لسان أمير المؤمنين، فالعنوه لعنه الله، ثم نزل (٢).

وقد جاءت عن الحجاج آثار، منها: قول عمر بن الخطاب رضوان الله عليه لما بلغه أن أهل العراق حصبوا عامله فقال: اللهم سلِّط عليهم الغلامَ الثَّقفيّ، يحكم فيهم بحُكم الجاهلية، لا يقبل من مُحسنهم، ولا يتجاوز عن مُسيئهم.

ومنها: أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال لرجل: لا مِتَّ حتى تُدرك فتى ثقيف، قيل: يا أمير المؤمنين، وما فتى ثقيف؟! قال: ليُقالنَّ له يوم القيامة: اكفنا زاويةً من زوايا جهنم، يملك عشرين سنة، لا يدع معصيةً لله إلا ارتكبها، حتى لو لم يبق إلا معصية واحدة بينها وبينه باب مُغلق إلا كسره حتى يرتكبها، يقتل بمَن أطاعه مَن عصاه، يأكل خُضرتَها، ويَلبس فَروتها، ويحكم فيها بحُكم الجاهلية.

قال الحسن البصري: وما خُلق الحجاج يومئذ. وفي رواية: ولا يُبقي بيتًا من العرب إلا ألبسهم الذلّ (٣). انتهت ترجمته.


(١) "العقد الفريد" ٥/ ٥٦ - ٥٧.
(٢) انظر "العقد" ٥/ ٣٠.
(٣) "تاريخ دمشق" ٤/ ٢٤٠ - ٢٤١.