للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُقام لهم بالشام، وكأنكم بهم وقد عادوا إلى الحجاز، ولهم مدة يبلغونها، فكان الكفار يُغيظهم ما يَرون من حُسن الجامع.

والثاني: أنه قيل لعمر: إنك إذا جَرَّدتَ الذهب من الحيطان لم يَحصل منه ما تنتفع به، وتَهدم ما هو أعظم شرائع الإسلام (١)، فإن هذا المكان والبيت المقدس يُبقي لبني مروان في العالمين ذكرًا ليس لغيرهم، فتركه.

وفيها غزا قتيبة الصِّين وكاشْغَر، وكان قتيبة موافقًا للحجاج على خلع سليمان، فكان في هذه السنة قطع النهر خوفًا من سليمان، وولّى النهر رجلًا من أصحابه يقال له: الخُوارِزمي، وأمره أن لا يُمكّن أحدًا من عبور النهر إلا بجواز، ومضى إلى فَرْغانة، وأرسل إلى شِعب عصام مَن يُسهِّل له الطريق إلى كاشْغَر -وهي أدْنى مدائن الصِّين- فجاءه الخبر بموت الوليد وهو بفَرْغانة.

وكان قتيبة قد أوغل في بلاد الصين، فأرسل إليه ملك الصين: ابعث إلينا رجلًا من أشراف قومك نسائله عن دينكم وما تدعون إليه، فانتدب له قتيبة عشرة من أشراف القبائل، لهم هَيبة وجَمال وحُسن، وألبسهم الثّياب الجميلة، وحملهم على الخيل العِتاق، وقدَّم عليهم هُبَيرةَ بن المُشَمرِج الكلابي، وكان فصيحًا، وأوصاه فقال: أيها الأمير، قد كُفيتَ الأدب، وقل ما شئت، فقال: تُخبره أني قد حلفتُ أن لا أنصرف حتى أطأ بلادَه، وأختم ملوكهم، وأَجبي خراجَهم.

وساروا، فلما قدموا على الملك دخلوا عليه وعنده علماء أهل مملكته، وكانوا قبل دخولهم عليه قد غيَّروا ثيابَهم، واغتسلوا وتطيّبوا، فلما دخلوا على الملك لم يكلّمهم أحد، فنهضوا، فقال الملك لجلسائه: كيف رأيتم هؤلاء؟ [قالوا:] ما بقي منا أحد حين رآهم ووجد رائحتهم إلا انتشر ما عنده.

فأرسل إليهم في اليوم الثاني، فجاؤوا وقد لبسوا الوَشْيَ، وعمائمَ الخزِّ والمطارف، فدخلوا فلم يكلّمهم أحد، فنهضوا، فقال الملك لأصحابه: كيف رأيتموهم؟ قالوا: هذه الهيئة أشبه (٢) بهيئة الرجال من تلك.


(١) "تاريخ دمشق" ١/ ٣١٤ - ٣١٥.
(٢) في (ب) و (خ) و (د): ليست، والمثبت من الطبري ٦/ ٥٠٢ وما بين معكوفين منه. والخبر بطوله ليس في (ص).