وكان من أكابر أمراء بني أمية، ولّاه الحجاج خُراسان، وكان شديد الوطأة على الكفار، وعبر النَّهر مرارًا، وفتح الفتوحات: بُخارى، وسَمَرْقَند، وكاشْغَر، وبلاد التُّرك، والهند، والسِّند، وفَرْغانة، والشاش، ووصل إلى الصين، ولم يفتح أحد من الأمراء ما فتح، ولم يبلغ ما بلغ.
وكان جوادًا، مُمَدَّحًا، شجاعًا، مِقدامًا، مُدَبِّرًا للأمور، عارفًا بالحرب والسياسة، صاحب همَّة وعَزيمة، وفيه يقول الشاعر:[من المتقارب]
إذا ما قُريشٌ خلا مُلكُها … فإن الخلافةَ في باهِلَهْ
لرَبِّ الحَرونِ أبي صالحٍ … وناهيك بالسُّنَّةِ العَادِلَهْ (١)
وأقام واليًا على المشرق ثلاث عشرة سنة، وكان قد اتّفق هو وأصحابه والحجاج على خلع سليمان، فلما مات الحجاج سُقط في يده، فلما مات الوليد خاف أن يَعزله سليمان ويولِّي يزيد بن المهلَّب خُراسان، فألجأه ذلك إلى العِصيان، وكان قد استوحش منه.
ذكر مقتله:
لما أتاه الخبر بموت الوليد وقيام سليمان أشفق لما كان يسعى فيه من بيعة عبد العزيز، فكتب إلى سليمان ثلاثة كتب؛ كتابًا يهنئه فيه بالخلافة، ويُعزّيه في الوليد، ويُعلمه بلاءه وطاعته لعبد الملك وللوليد، وأنه له مثل ما كان لهما إن لم يَعزله عن خراسان.
وفي الكتاب الثاني يُخبره فيه بفتوحه ونِكايته، وعِظَم قدره عند ملوك العجم، وهيبته في صدورهم، ويَذُمُّ فيه آل المهلَّب، ويحلف بالله لئن استعمل يزيد على خراسان ليَخْلَعَنّه.