للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن للجار على جاره حقًّا، فقال أبو حازم: إن بني إسرائيل لما كانوا على الصواب كانت الأمراء تحتاج إلى العلماء، وكانت العلماء تفِرُّ بدينها من الأمراء، فلما رأى ذلك قوم من أراذل الناس تعلَّموا العلم، وأتوا به إلى الأمراء، فاستغنوا به عن العلماء، واجتمع القوم على المعصية فسقطوا وانتكسوا، ولو كان علماؤنا يصونون علمَهم لم تزل الأمراء تهابهم، فقال الزهري: كأنك إياي تريد، وبي تُعرِّض، قال: هو ما تسمع (١).

قلت: كذا وقعت لنا هذه الحكاية بهذا الإسناد، ووقعت لنا بإسناد آخر عن الواقدي قال: لما حجَّ سليمان دخل المدينة وقال: هل ها هنا أحدٌ يذكِّرنا بأيام الله تعالى؟ قيل له: ها هنا أبو حازم المدني، فأرسل إليه، فلما دخل عليه سلَّم، فردَّ عليه السلام، وقرَّبه وأدناه وقال: يا أبا حازم، ما هذا الجفاء؟ فقال: أُعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تقول هذا، والله ما رأيتُك يا أمير المؤمنين قبل اليوم ولا رأيتَني، وذكر بمعنى ما تقدم.

وفيه: فقال سليمان: أيّ عباد الله أكرم؟ قال أبو حازم: أهل المروءة والتُّقى، قال: فأي الأعمال أفضل؟ قال: أداء الفرائض، واجتناب المحارم، قال: فأيُّ الدعاء أسمع؟ قال: دعوة المظلوم، قال: فأيُّ الصدقة أزكى؟ قال: على البائس الفقير من غير مَنٍّ ولا أذى، قال: فأي القول أعدل؟ قال: قول الحق عند مَن يُخاف ويُرجى، قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: رجل عمل بطاعة الله ودعا إليها، قال: فأي الناس أحمق؟ قال: من باع آخرتَه بدنيا غيره، قال: فما تقول فيما نحن فيه؟ قال: إن آباءك قهروا الناس، وذكر بمعنى ما تقدم، فقال سليمان: فكيف المَهْرب أو المأخذ؟ فقال: تأخذ المال من حِلِّه، وتصرفه في وجهه.

وفيها لما قال له خذ المئة دينار قال: والله ما أرضاها لك فكيف أرضاها لنفسي؟ إن موسى لما وَرد ماء مَدْين واستدعاه شعيب؛ قَدَّم له طعامًا فامتنع وقال: أخاف أن يكون أجرَ ما سقيتُ لهما، فإن كانت هذه الدنانير عِوضَ ما حدَّثتك؛ فالميتة والدم ولحم الخنزير أحلّ منها، وإن كانت من حقّي من بيت المال فإن واسَيتَ (٢) بيني


(١) "صفة الصفوة" ٢/ ١٥٨ - ١٦٠.
(٢) كذا في النسخ، وصوابه: ساويت.