للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلفوا في وفاته؛ فقال ابن الكلبي: مات مَجْذومًا بمكة، ودفن بمكان يقال له: دَسْم.

وقال الهيثم: عاش إلى زمان يزيد بن عبد الملك صاحب حَبابة، وناح عليها وعليه، وقال أبو اليقظان: عاش إلى أيام هشام بن عبد الملك، ومات بظاهر مكة في بستان بني عامر، وكان عمره خمسة وسبعين سنة؛ لأنه وُلد في خلافة عمر بن الخطاب، فإن صحَّت هذه الرواية فإنه ما أدرك يزيدًا ولا حَبابة لأنهما كانا بعد المئة.

وقال الهيثم: أصل الغناء من تِهامة، ومكة، والطائف، والمدينة، ووادي القُرى، ودُومة الجَندل، وذي القُرى، وذي المَجاز، ومَجَنَّة، وعكاظ وغيرهم، وذلك لأن هذه الأماكن كانت تقام بها أسواق العرب، ويحضرها العُشَّاق والمتيَّمون، فيتناشدون الأشعار فيما بينهم، فولَّد ذلك الغناء.

وكانت العرب تُسمّي العود: الكِران، والمِزْهَر، والبَرْبَط.

واختلف الناس في الغناء، فأجازه أهل الحجاز، وتهامة، ومكة، والمدينة، ومنع منه بعض العراقيين.

فمَن مَنع منه تعلَّق بقوله تعالى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيرِ عِلْمٍ﴾ [لقمان: ٦]، قال مجاهد: هو الغناء، وهو اللعب واللهو (١)، واللعب حرام، ألا ترى أنه لو اشترى جارية مُغَنِّية بأربعة آلاف درهم فنسيت الغناء عند المشتري عادت إلى قيمتها ساذجة (٢).

وأما مَن أجازه فاحتجَّ بما روى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال لعائشة: "أهديتم الفتاة إلى أهلها - بعلها؟ " قالت: نعم، قال. "وبعثتم معها نَعِيرَ اللَّهو ومَن يغنّي؟ "، قالت: لا، قال: "أما علمتِ أن الأنصار يُعجبهم اللهو، هلا بعثتُم معها مَن يقول:

أتيناكم أتيناكم … فحيُّونا نُحَيِّيكم


(١) انظر "تفسير الطبري" ١٨/ ٥٣٢ - ٥٣٨ (طبعة هجر).
(٢) انظر خبايا الزوايا (١٨٥) ٢٠٢.