للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: أمسك، فقد أفسد أخيرًا ما أصلح أوّلًا.

وقال الهيثم: أصلُ الغناء من أربعة: ابن سُرَيج، ومَعْبَد، والغَرِيض، وابنُ مُحرِز.

ومَعْبَد مات في سنة خمس وعشرين ومئة.

وقال إسحاق الموصلي: أول مَن غنّى في الإسلام الغناء الرقيق: طُوَيس، ودلال، ونَوْمة الضُّحى، وأول شعر غُني في الإسلام: [من مجزوء الرمل]

قد براني الشَّوقُ حتى … كِدتُ من وَجدي أذوبُ

قال: وقد غنَّى طُوَيْس في أيام عثمان بن عفان (١).

وقال أبو الحارث: اختلف الناس في الغناء بمكة عند محمد بن إبراهيم والي مكة، فأرسل إلى ابن جُرَيج وعمرو بن عُبيد فسألهما، فقال ابن جُريج: لا بأس به، شهدتُ عطاءَ بن أبي رباح في خِتان ولده وعنده ابن سُرَيج يُغني، وكان إذا لحن ردَّ عليه عطاء، وإذا غنى لا يقول له: اسكت، وإذا سكت لا يقول له: غَنِّ، فقال عمرو بن عبيد: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: ١٨] فمَن يكتب الغناء الملك الذي عن اليمين أو الذي عن الشمال؟ فقال ابن جُريج: لا يكتبه أحد منهما؛ لأنه بمنزلة اللغو وحديث الناس فيما بينهم من أخبار جاهليتهم وتناشدِ أشعارِهم.

وقال الأصمعي: سأل الرشيد إبراهيم بن سعد الزهري هذا المذكور فقال: بلغني أن مالكًا يُحرِّم الغناء، فقال: يا أمير المؤمنين، وهل يجوز لمالك أن يُحلِّل ويحَرِّم؟ والله ما ذاك إلا لابن عمِّك محمد كان يفعله بوحي من الله (٢)، فمن جعل ذلك إلى مالك؟ والله لقد سمعت مالكًا (٣) في عرس ابن حَنْظلة يتغنَّى أو يتمثّل: [من مجزوء الوافر]

سُلَيمى أزْمَعَتْ بَينا … فأين تَظنُّها أينا

وقال العُتبيّ: دخل عبد الله بن عمر يومًا على عبد الله بن جعفر، وبين يديه جارية في حجرها عود، فقال ابن عمر: هذا ميزان؟ قال ابن جعفر: هذا ميزان روميّ


(١) الخبران في "العقد" ٦/ ١٠، ٢٧، وما بين معكوفين منهما.
(٢) في "العقد" ٦/ ١١: والله ما كان ذلك لابن عمك محمد إلا بوحي من ربه.
(٣) في "العقد": فشهادتي على أبي أنه سمع مالكًا.