للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقول: قد تُبتُ من صنعة الغناء، وأسألك أن لا تحول بيني وبين مجاورة رسول الله -وكان قد أجَّل المغنِّين ثلاثًا- فقال: ومَن يحول بينها وبين ذلك؟ فقال: لا بأس أن يراها الأمير؟ فقال: نعم، فجاءت فجلست، وشَرعت تُحدِّثه عن مآثر آبائه، فأعجبه ذلك، فقال لها ابن أبي عتيق: أسمعي الأمير قراءتَك، فقرأت فازداد بها عجبًا، فقال: احديه فَحَدَت، فحرَّكه حُداؤها، فقال: غَنِّ فغنَّت، فطرب عثمان حتى نزل من السرير فجلس بين يديها وقال: والله لا يخرج مثلها من المدينة، فقال له: أفتأذن لها وحدها؟ فقال عثمان: قد أذِنتُ للناس كلّهم من أجلها (١).

ومنهم طُوَيْس، وقد ذكرناه في صدر الكتاب في باب الأمثال.

[وله قصة] مع أبان بن عثمان بن عفان بالمدينة (٢) لما ولّاه معاوية المدينة، قال هشام: جاءه طُوَيس وقد خضب يديه غَمْسًا، وبيده دُفّ، وعليه مُلاءةٌ صفراء، فقال: إني نذرتُ عليّ لله إن وَليتَ أن آتيك على هذه الحال، وأغنّيك صحوتًا، فقال له أبان: ليس هذا موضعه، فقال: جُعلتُ فِداك بأبي وأمي، لا بدَّ من الوفاء بنَذري، فقال: قُلْ، فحسر عن ذراعيه، ومشى بين السِّمامَطين وقال:

ما بالُ أهلِكِ يا رباب … خُزْرًا كأنهمُ غِضاب

من أبيات، قال: فصفَّق أبان بيديه، ثم قام من مجلسه فاحتضنه، وقبَّل ما بين عَينيه وقال: تلومونني في طُوَيس؟! ثم قال: أيُّما أسَنّ أنا أم أنت؟ فقال: وحياتك، لقد شهدتُ زفافَ أمك المباركة على أبيك الطيب.

وكان في المدينة السائب خاثِر المغني، وقد ذكرناه في قَتلى الحَرَّة، وأبو قَطيفة بن الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيط، وقد ذكرناه، ومنهم دَلال، ونَومة الضُّحى، ومن طُوَيس تعلّموا الغناء، والغريض قتلتْه الجن لحسن صوته، وقد ذكرناه في صدر الكتاب، وجماعة ما سمَّيتُهم.


(١) "العقد" ٦/ ٤٩ - ٥٠.
(٢) ما بين معكوفين زيادة لتوضيح السياق، وانظر قصته في "العقد" ٦/ ٢٧ - ٢٨.